إعلاميّون من أجل القدس
فضلاً عن كونه داعية وسياسياً إسلامياً ورئيساً للحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية 1948، فإن اسم الشيخ (رائد صلاح) ارتبط بالأقصى، هذا المعلم الروحي والحضاري الذي يعتبر ثالث مسجد لدى المسلمين مكانة وقداسة بعد المسجدين الحرام بمكة والنبوي الشريف بالمدينة المنورة.
لقد اعتقل هذا الشيخ الجليل غير مرة من أجل حماية الأقصى والدفاع عنه والتصدي لمحاولات تهويده من قِبَل الصهاينة وطمس هويته العربية الإسلامية، وكلما أحدقت بهذه البقعة الطاهرة من أرضنا المباركة أخطار داهمة رأيت الشيخ (صلاح) في مقدمة الذائدين عن حمى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين دون أن يأبه لتهديدات الصهاينة، وحين منعت السلطات "الإسرائيلية" -الخميس الفائت- الشيخ من التوجه إلى القدس القديمة لمدة ستين يوماً وبالتالي الصلاة في الأقصى بسبب مشاركته الأسبوع الماضي بما وصفته مظاهرة غير مرخص لها ضد الأشغال "الإسرائيلية" التي يتعرض لها الأقصى؛ لم ييأس ولم يستسلم حتى وصل إلى منطقة (حي الصوانة) بشق الأنفس وهي منطقة خارج أسوار القدس بعد أنْ دخل أكثر من طريق وعبر أكثر من حاجز وصلى صلاة الجمعة في أرض خالية إماماً لمئات المصلين الذين حال الكيان الصهيوني دون السماح لهم بالوصول إلى الأقصى.
لقد نبه هذا الداعية في حوارٍ أجرته معه الشبكة الإعلاميّة الفلسطينية إلى عدة أمور مهمة على صلة بالتطورات الخطيرة التي تهدد الأقصى لعل أهمها:
• أنّ إعلان ما يسمّى برئيس بلدية القدس وقف عمليات الهدم في الطريق الموصل إلى باب المغاربة ليس سوى ذر للرماد في العيون وأن الجريمة متواصلة بأساليب مختلفة وعلى العالم ألا ينخدع بالدعاية الصهيونية.
• ما يحدث في طريق المغاربة ليس حفريات أبداً إنما هي عمليات هدمٍ ممنهجة في جزءٍ لا يتجزأ من المسجد الأقصى، وهي تُعَد كما أشارت منظمات مهتمة بالقدس خطوة مفصلية غير مسبوقة منذ عام 1967 على طريق تقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين.
• الحاضر العربي والإسلامي الراهن يعاني من حالة وهن مؤقتة انعكس في ضعف الموقف السياسي والعسكري في ردة الفعل على الحفريات في الأقصى.
• أهمية تشكيل هيئة إعلامية تسمى (إعلاميون من أجل القدس) تختص بمتابعة كافة المجريات في المدينة المقدسة وكشف الممارسات الاحتلالية والاعتداءات المستمرة عليها ونقل كل ذلك إلى العالم.
كان لا بد من هذا الاستهلال الضروري لنتحدث عن دور الإعلام المقصّر في حق القدس والأقصى، وضرورة الالتفات إلى هذا الجانب الحيوي لكشف الجرائم الصهيونية أمام العالم ليس فقط ما يطفو منها على السطح وإنما ما يدبر منها أيضاً في الخفاء، تحت ستار الحفريات الأثرية والبحث عن هيكلهم المزعوم منذ عام 1967 وحتى الآن لأنّ ما خفي أعظم، وهذه الجرائم في مجملها تهدف إلى زلزلة بناء الأقصى وتدميره، ومثلما يتحرك الشارع العربي والإسلامي في هبّات مؤقتة تتسم بالانفعالية المؤقتة كلما تعرض الأقصى للخطر من حين لآخر فإن أداء الإعلام العربي لا ينفصل عن هذه الحال.. إنه جهد طيب ومحمود بلا شك ولكنه ليس المأمول ولا يرتقي إلى مستويات التحديات التي تتعرض لها هذه المدينة المقدسة التي هي عنوان للقضية الفلسطينية.
وكمثالٍ على ذلك فقد أتيح لي متابعة فعاليتين مهمتين تصبان في هذا الاتجاه الأسبوع المنصرم الأولى: حملة دعائية قام بها مدوّنون مغاربة الجمعة الماضية خصصت يوماً للتدوين حول القدس الشريف والأقصى المبارك وقد وجه صاحب إحدى المدونات (مدونة تقليب النظر) منسق الحملة في المغرب نداء إلى كلّ المدوّنين العرب والمسلمين وكل الغيورين والشرفاء في العالم لجعل الجمعة الفائتة انتفاضة تدوينية من أجل الأقصى الجريح وقد انضم بالفعل إلى هذه الحملة مدونون من مصر والسعودية وقطر وغيرها. والأخرى فعالية لنقابة الصحفيين اليمنيين للتعريف بخطورة التصعيد "الإسرائيلي" الأخير على القدس والأقصى.
إن الدعوة صارت ملحمة أكثر من أي وقت مضى للمسارعة في تأسيس وتفعيل رابطة (إعلاميون من أجل القدس) التي دعا إليها الشيخ (رائد صلاح) لتقوم بواجبها في الحفاظ على القدس وقفاً لأجيال الأمة دون التنازل عنه وتبيان الأوضاع التي تمرّ بها هذه المدينة وأهلها وعموم الفلسطينيين المضطهدين على أرضهم وذلك من خلال تنسيق وتكامل الجهود الإعلامية على مستوى الساحات العربية والإسلامية والدولية.
ومن حسن الحظ أنّ مشروع هذه الرابطة كفكرة مُثارة قد تمّت صياغته من قِبَل (مؤسسة القدس الدولية) وشبكة المؤسسات العاملة للقدس التي تتخذ من لبنان مقراً رئيساً لها حددت فيه هوية الرابطة ورؤيتها ومبادئها (ميثاق الرابطة) وأهدافها ووسائلها وطريقة العضوية فيها.. وهذا المشروع متوافر على موقع المؤسسة على الإنترنت ولا أدري إن كانت هذه المؤسسة قد بدأت الخطوات العملية لإشهار هذه الرابطة أم لم تبدأ بعد.. المهم أنّ الجانب التأصيلي النظري يعتبر كافياً ومستوعباً للمطلوب بصياغة رصينة ودقيقة -من وجهة نظري- وما هو مطلوب بإلحاح حالياً التحرك لإطلاق المبادرة من أجل صياغة رسالة إعلامية تخدم القدس والقضية الفلسطينية وفق عملٍ علميّ ممنهج بعيداً عن التأثّر العاطفي المؤقت لأن العمل الدعائي المخطط للصهاينة لا يواجه إلا بالأسلوب نفسه والطريقة ونتمنى أن تسهم دعوة الشيخ صلاح ومؤسسة القدس الدولية ودعوات كل الغيورين إلى تحرك المؤسسات الصحفية والإعلامية والعاملين فيها فوراً للإسهام في شرف تشكيل هذه الرابطة أو تفعيلها ووضع البرامج العملية للتصدي للهجمة الصهيونية على مقدساتنا وهويتنا الثقافية والحضارية.
وخدمةً للمهتمّين فإنني سأكتفي بعرض ما ورد في مشروع هذه الرابطة على صعيد الأهداف وهي:
- توحيد الخطاب الإعلامي ومصطلحاته في سبيل صناعة رسالة إعلامية أقوى لمناصرة قضية القدس.
- التدريب وتبادل الخبرات بين مختلف المؤسسات وكافة الأفراد في رابطة «إعلاميون من أجل القدس»، بما يكفل صناعة رسالة إعلامية احترافية، تتحرى الصحة والدقة في المعلومة، وتنقل الصورة الشفافة للقدس إلى الجمهور.
- نشر المعارف المقدسية الخاصة بالقدس وفلسطين وطبيعة الصراع مع الصهيونية.
- تشكيل رأي عام شعبي ضاغط للحفاظ على القدس من مخاطر المشروع الصهيوني ومؤامراته.
- التأثير على اتجاهات الرأي العام العالمي تجاه القدس في مواجهة الدعاية الصهيونية.
- إبراز قضية المقدسات الدينية في مدينة القدس وخاصة المسجد الأقصى والمحاولات الصهيونية لهدمه.
يا حملة الأقلام من الكُتَّاب والصحفيين والإعلاميين والمثقفين والفنانين والمبدعين، إن للكلمة -كما لا يخفى عليكم- دورها في التوعية وأداء واجب النصرة لقضية العرب والمسلمين الأولى، لاسيما إذا وضعت في قوالب الإعلام الجذابة واستخدمت وسائله المؤثّرة على مستوى الأثير الفضائي الكوني والشبكة العنكبوتية العالمية... فماذا أنتم فاعلون بعد أنْ وصلت الكرة إلى مرماكم؟!.