أبجديات في الطريق إلى الأقصى(2) - بقلم الشيخ رائد صلاح
الحلقة الثانية
مقولة (الهيكل) وهْمٌ وتضليل (1)
أعود وأقول, إني رأيت من الضروري جداً ومن واجب الوقت الفوري كتابة هذه الحلقات، لأن الأقصى المبارك يمر في مرحلة مصيرية تحدد حاضره ومستقبله، وأعود وأذكّر أنه ما عاد سراً وجود مباحثات متواصلة بين أطراف عربية وصهيونية حول مستقبل الأقصى المبارك والهيكل المزعوم، لذلك لا بد من الوعي الناضج واليقظة المتواصلة كي نحبط كل مؤامرة تستهدف أقصانا المبارك.
1. أعتقد جازماً عن سبق إصرار لا رجعة فيه أن مقولة "الهيكل" وهم وتضليل، وهم لأن الادّعاء بوجود هيكل كان مرة من المرات تحت الأقصى المبارك أو في حرمه لا يقوم على أي دليل ديني أو تاريخي أو دليل قائم على الآثار، بل على العكس تماماً، فإن كل الأدلّة تفضح هذا الادّعاء وتظهر بطلانه لكل عاقل على وجه الأرض، ولذلك فهو تضليل، لأن الذين يتمسكون بادّعاء وجود هيكل يعلمون في قرارة أنفسهم أن ذلك ادّعاء باطل وأسطوري، ومع ذلك فهم يصرون على هذا الادعاء الباطل تضليلاً للناس وكي يطالبوا بحق سياسي موهوم قائم على هذا الادّعاء الباطل، وما نراه اليوم هو خير شاهد على ما أقول، فإن المطالبة ببناء "هيكل" على حساب الأقصى المبارك ما عاد موقفاً شاذاً لبعض الفرق الدينية اليهودية، بل أصبح موقفاً رسمياً وشعبياً لدى المؤسسة "الإسرائيلية"، ويحظى بإجماع بين كافة مركبات المجتمع "الإسرائيلي"، السياسية العلمانية والسياسية الدينية، يساراً كانت أم يميناً أم وسطاً.
2.بينت في الحلقة السابقة أن الأقصى المبارك بُني ثاني مسجد على وجه الأرض بعد المسجد الحرام، فكان المسجد الأقصى ولم يكن شيء اسمه "الهيكل" أو كنيس أو قبيلة يهودا أو التاريخ اليهودي، فكيف لعاقل على وجه الأرض أن يصدق أن هيكلاً أولاً أو ثانياً كان تحت الأقصى المبارك أو في حرمه، حتى تجري المطالبة بعد ذلك ببناء "هيكل" ثالث في حرم الأقصى المبارك، أو حتى تجري المطالبة بعد ذلك بحق اليهود لأداء طقوسهم الدينية في حرم الأقصى المبارك، أو حتى يجري الحديث بعد ذلك عن حائط اسمه "المبكى"، علماً أن "قوة الحق" تقول إنه في الحقيقة حائط البراق وهو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، ولا يوجد لغير المسلمين أي حق فيه، وإن قال "حق القوة" غير ذلك.
3.ومما يؤكد ما أقول, كثرة الشواهد الدامغة التي تبطل وجود شيء اسمه "هيكل" كان تحت الأقصى البارك أو في حرمه، فمن هذه الشواهد اعتقاد السامريين وهم طائفة يهودية, ترى أنها على الحق, تعتقد بأن "الهيكل" بُني فوق جبل "جريزيم" في نابلس، ويستندون إلى ما تورده "التوراة" التي يتمسكون بها ويعتقدون أنها هي "التوراة" الحق التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام.
4.ومن هذه الشواهد أن اليهود يستندون بادّعاء وجود "هيكل" إلى أسفار بني إسرائيل، ومن المعروف أن هذه الأسفار كتبت بعد قرون من الأحداث التي تتحدث عنها هذه الأسفار، لذلك فإن القارئ العاقل النزيه يلمس أن هذه الأسفار تقوم على الأحلام ونسيج الخيال، ولا يمكن بأي حال من الأحوال نسبتها إلى أي نبي أو رسول، لذلك فهي ليست مرجعاً لأي حقيقة دينية أو تاريخية في أي حال من الأحوال.
5.ومن هذه الشواهد أن هذه الأسفار اليهودية تتحدث عن وصف "هيكل"، ولكنها لا تحدّد المكان الذي بني فيه، فمن أين هذا الجزم بوجود "هيكل"، ومن أين هذا الجزم بأنه كان مرة من المرات تحت الأقصى المبارك أو في حرمه؟.
6. ومن هذه الشواهد أن هذه الأسفار اليهودية التي تتحدث عن الهيكل، بدون تحديد لمكان بنائه أو زمانه, أن تتحدث عن وصف لِـ "هيكل" أقرب إلى الأساطير والخيال، ووفق هذا الوصف هو "هيكل" شبيه بقصور ألف ليلة وليلة ليس إلا، ووفق هذا الوصف هو "هيكل" بعيد كل البعد عن طبيعة معبد أو كنيس أو كنيسة أو مسجد، فأي "هيكل" هذا الذي تصفه الأسفار اليهودية وتدعي أن محرابه كان بطول عشرين ذراعاً وسمك عشرين ذراعاً، وأنه كان مغشياً بالذهب, وأن المذبح الذي كان قائماً أمامه كان مغشياً بالذهب، وأن السلاسل الممتدة أمام المحراب كانت من الذهب، وأن جميع البيت بتمامه كان مغشياً بالذهب، وإن تماثيل الملائكة المجنحة التي سمك كل منها عشرة أذرع، وكل جناح من أجنحتها خمسة أذرع كانت مغشاة بالذهب، وأن أرض البيت داخلاً وخارجاً كانت مغشاة بالذهب، وأن جميع الأدوات من مذبح ومائدة قدس الأقداس، ومنائر وسرج وطسوت وصحون ومجامر كانت من الذهب، أي "هيكل" هذا، هل هو معبد أم قصر من قصور السندباد البحري أو عالم "والت ديزني"!
7.ومن هذه الشواهد ما ذكره "بوست جورج" في قاموس "الكتاب المقدس" أن كنيسة العذراء التي بنيت في عهد "يوستنيان"، يرى بعض المؤرخين أنها بنيت على موقع "الهيكل".
8. ومن هذه الشواهد ما تقوله بعض الروايات أن ما يسمى "محراب داود" كان بالقرب من باب الخليل في سور مدينة القدس.
9. ومن هذه الشواهد تناقض وصف أدوات "الهيكل" التي وردت في الأسفار اليهودية، فهناك بعض الأسفار تدعي أنها كانت من الذهب, وهناك بعض الأسفار تدعي أنها كانت من النحاس، فها هي بعض الأسفار تتحدث عن نبوخذ نصر تقول "..وحمل معه إلى بابل أعمدة النحاس وقواعد النحاس وأحواض النحاس التي كانت في بيت الرب ..)
10. ومن هذه الشواهد أن الأسفار اليهودية التي تتحدث عن بناء "هيكل" سليمان، تكمل وتتحدث عن بناء "هيكل" جديد على أساس جديد غير المكان والأساس الذي كان عليه "هيكل " سليمان" وفق ادّعائهم.
11. ومن هذه الشواهد أن الأسفار اليهودية تتحدث عن "هيرودوس" الذي بنى هيكلاً في سنة 20 ق.م، علماً أن "هيرودوس" هو "آدومي" الأصل، والآدوميون هم من العرب، وأم "هيرودوس" هي من الأنباط، وهم من العرب، فكيف يعقل أن يقوم أحد الأمميين "الجوييم" ببناء أقدس مقدسات اليهود، علماً أنه ليس من "شعب الله المختار"، ولو قال قائل أن "هيرودوس" قد اعتنق اليهودية فكلنا نعرف أن اليهود لا يعترفون إلا بمن كان من سلالتهم، فأي هيكل هذا الذي بناه "هيرودوس" العربي، في الوقت الذي يدعي فيه اليهود أن الله تعالى أعطى إرث إبراهيم إلى إسحاق فقط دون إسماعيل، لأن إسماعيل من أم عربية، لذلك فقد حُرِم من الميراث، وإن كان رسولاً نبياً، وإن كان أخاً شقيقاً لإسحاق، فبأي حقّ يدعي صاحب هذه العقيدة العنصرية الباطلة أن له حقاً في إرث "هيرودوس" علماً أن "هيرودوس" عربي النسب، كما كان إسماعيل عربي النسب، اللهم صلِّ على سيدنا إبراهيم وإسحاق وإسماعيل.
12. ومن هذه الشواهد أن "طيطس" قام بإحراق المعبد الذي بناه "هيرودوس" عام 70م, ثم جاء "هدريان" عام 135م وحرق كل بناء في مدينة القدس بما في ذلك الطرق والجدران, ولم يُبقِ من القدس أو من أي مبنى فيها حجراً على حجر، ثم لم يقم اليهود بأي بناء بعد ذلك، فهل ولدت الأرض معبداً جديداً من دون بناء البشر حتى يقال إن "المبكى" من بقايا "الهيكل"، أو هناك إسطبلات سليمان وباب خلدة ونفق الحشمونائيم من بقايا "الهيكل"! آتونا بأثارةٍ من علم إن كنتم صادقين!