الأسرى المقدسيون من سَيُحرِرَهم ؟؟



أطلقت سلطات الاحتلال بالأمس سراح (227 أسير) فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة ، كبادرة "حسن نية " تجاه الرئيس أبو مازن بمناسبة عيد الأضحى المبارك، ومع جل احترامنا وترحابنا بالأسرى المحررين وسعادتنا بمشاهد عناقهم بذويهم، وتقديرنا للجهود التي بُذلت من أجل تحريرهم وتحرير الآلاف من قبلهم، إلا أننا ننظر بعين الخطورة لآلية التعامل "الإسرائيلي" مع هذه القضية، مما يثير مخاوفنا وخشيتنا من ترسيخ المعايير والمفاهيم "الإسرائيلية" الظالمة في التعامل مع قضية الأسرى، وتحويلها إلى قضية إنسانية تقدم بين الفينة والأخرى تحت ما يسمى ببوادر "حسن النوايا " وبشكل أحادي الجانب، دون إشراك الجانب الفلسطيني.
وعلى ضوء ذلك فليس بالأمر المفاجأة خلو قائمة المفرج عنهم بالأمس، وكالعادة من الأسرى المقدسيين..!! ليقفز للأذهان أسئلة مشروعة وعديدة،
مَنْ سيُحرر هؤلاء الأسرى المقدسيين؟ ومن سيكفل عودتهم إلى شعبهم أولاً وإلى ذويهم ثانياً في العيد وما بعد العيد وما بعد بعد العيد ..؟ فهل من مُجيب ..؟؟
دعوني أقول وبكل صراحة بأن قضية الأسرى المقدسيين ... قضية شائكة ومعقدة، بل مريرة ومؤلمة أيضاً، حيث معاناتهم المتفاقمة والمضاعفة من جانب، ومن جانب آخر استثنائهم من كافة صفقات تبادل الأسرى التي جرت منذ ما بعد العام 1985 ولغاية تموز الماضي، واستبعادهم وتجاهلهم من مجمل الاتفاقيات السياسية الموقعة ما بين السلطة الوطنية الفلسطينية و"إسرائيل" ، في الفترة الممتدة من أوسلو وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى، وحتى أن مجمل الإفراجات السياسية خلال انتفاضة الأقصى هي الأخرى استبعدتهم بالمطلق ولم تشمل أيٍ منهم، وذلك استناداً للمعايير "الإسرائيلية" المجحفة والهادفة إلى تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة الحركة الأسيرة ، مما عزز المنطق "الإسرائيلي" في التعامل مع الأسرى المقدسيين، والذي يعتبر سجنهم والأحكام الصادرة بحقهم شأناً داخلياً ولا يحق لأي جهة فلسطينية كانت أم عربية المطالبة بإطلاق سراحهم، لهذا فإن كافة صفقات التبادل التي جرت مابين حزب الله وحكومة الاحتلال "الإسرائيلي"، هي الأخرى استثنتهم واستبعدتهم، مما أبقى على قضيتهم رهينة في قبضة سلطات الاحتلال.
وهذا بتقديري يندرج في سياق المحاولات "الإسرائيلية" المستمرة الهادفة إلى استبعاد قضية القدس عن جوهر الصراع العربي ـ "الإسرائيلي"، وترسيخها وتعزيزها كعاصمة "إسرائيل" استناداً لقرار الكنيست "الإسرائيلي" الذي أقر في الثلاثين من تموز عام 1980، استبعاد الأسرى المقدسيين وعزلهم عن الحركة الوطنية الأسيرة، واستبعاد كل المقدسيين عن الشعب الفلسطيني، وتعاملت معهم على أنّهم مقيمون دائمون لديها، فلا هي اعترفت بانتمائهم للأراضي المحتلة عام 1967، ولا هي منحتهم المواطنة "الإسرائيلية" كبقيّة المواطنين الفلسطينيين في أراضي الـ48 ، فتتعامل معهم فلسطينيين في الزنازين والتعذيب والأحكام الجائرة، فيما تعتبرهم "إسرائيليين" إذا طالبت بهم السلطة الوطنية أو أية جهات عربية، وبالتالي بقيت قضيتهم بلا حل ومعاناتهم بلا توقف وبشكل مضاعف.
واستمرار هذا الوضع المؤلم، وتكرار مشاهد الاستبعاد والاستثناء وحتى التجاهل أحياناً، ترك آثاراً نفسية ومعنوية سيئة على الأسرى المقدسيين وذويهم، وخلق حالة من اليأس والإحباط في صفوفهم.
الأمر الذي يستدعي وعلى وجه السرعة التحرك الجاد والفعلي لإعادة الاعتبار لقضيتهم، وهذه ليست مهمة فلسطينية فحسب، بل عربية وإسلامية أيضاً، ومساندتهم والمطالبة بإطلاق سراحهم ضمن أية إفراجات سياسية قادمة، أو في إطار صفقة التبادل المتوقعة مع "جلعاد شاليط" شأنهم شأن باقي الأسرى الفلسطينيين.
وبتقديري الشخصي إن مقدار دعمنا ومساندتنا لهم وسعينا وتحركنا لتحريرهم ، إنما يعكس مدى سعينا لتحرير القدس كمدينة عربية إسلامية مقدسة.
و إذا كانت "إسرائيل" تصر على موقفها المتعنت تجاههم ورفضها الإفراج عنهم ضمن الإفراجات السياسية أو "بوادر حسن النوايا" ، فعلى آسري الجندي "الإسرائيلي" " جلعاد شاليط " وضع قضية تحرير الأسرى المقدسيين على سلم أولوياتهم ومطالبهم، ولا معنى لأي صفقة تبادل يمكن أن تستثنيهم، فلقد آن الأوان لأن ينعم هؤلاء الأسرى بالحرية، خاصة القدامى منهم ومَن مضى على اعتقالهم عشرات السنين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر فؤاد قاسم الرازم المعتقل منذ 30-1-1981 ، هاني بدوى جابر المعتقل منذ 3-9-1985 ، على بدر مسلمانى المعتقل منذ 27-4-1986 ، و فواز كاظم بختان المعتقل منذ 29-4-1986 ، خالد احمد محيسن المعتقل منذ 30-4-1986 ، عصام صالح جندل المعتقل منذ 30-4-1986، علاء الدين احمد البازيان المعتقل منذ 20-6-1986 ، وعبد الناصر وطارق الحليسي وابراهيم عليان وسمير أبونعمة وحازم عسيلة وجميعهم معتقلون منذ أكتوبر 1986.
وفي الختام فأنني أناشد كافة المؤسسات التي تعنى بشؤون القدس بشكل خاص إلى إيلاء قضية الأسرى المقدسيين الأهمية الفائقة في برامجها وأنشطتها، وعلى وسائل الإعلام المختلفة المحلية والعربية أن تمنح قضيتهم مساحة أكبر في برامجها بما يتيح للمشاهد العربي والإسلامي الإطلاع على حجم المعاناة التي يعانيها الأسرى المقدسيون وذويهم، واتساع حلقة التضامن معهم بما يضمن إطلاق سراحهم قريباً .