أطلال القدس.. بعد40 عاماً من الاحتلال والتهويد
تقترب ذكرى مرور 40 عاماً على احتلال القدس في 8 يونيو 1967, ويجري مخطّط تهويدها منذ اليوم الأول للاحتلال حتى يومنا هذا، بل نحن -كأمّة- في الحقيقة نعايش (ولا أقول نعيش) المرحلة الأخيرة لمخطط التهويد, وليس أدَلّ على هذا مما يجري من حفريات تحت أرض الحرم القدسي الشريف بأسواره, وأبوابه, ومسجديه (الأقصى والقبة) في محاولة لاستكمال أنفاق مترابطة تعمل (لا قدّر الله) على زلزلة أساسات المسجد الأقصى طمعاً في إعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم.
ولم تسلَم الأحياء الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة من عمليات الحفر, والهدم, والتدمير, والطمس, والمسح للمعمار والتراث العربي، حتى أصبحت القدس العربية أطلالاً غريبة في عيون سكانها المقدسيين العرب, ولا تزال مقولة خليل تفكجي الخبير الفلسطيني المعروف بشؤون القدس (إنساناً وأرضاً ومعماراً وتراثاًً)؛ لا تزال مقولته الصعبة تؤرّقني وهو يردّد منذ شهور: (سوف نبكي على ضياع القدس كما بكينا من قبل على ضياع الأندلس)..
ولقد أبديت تحفّظي على تلك المقولة معولّاً على دروس التاريخ وإن طالت سنواته. فالاحتلال "الإسرائيلي" الحالي للقدس العربية هو الاحتلال الحادي والأربعون للقدس على مدى أكثر من ثلاثة آلاف سنة ويشهد التاريخ هنا على قدرة أصحاب القدس العرب على تحرير المدينة المقدسة.. وسجّل صلاح الدين الأيوبي ملحمته الرائعة, وهو يستردّ القدس من أيدي الحملات الصليبية في أكتوبر 1187. ولعلّ الجغرافي المصري الكبير د. جمال حمدان صك مقولته المعروفة: (إن الاستعمار مجرّد جملة اعتراضية في حياة الشعوب)، مؤكّداً بها أنّ إرادة التحرير كامنة لدى الشعوب دائماً لكن يبقى لكل شعبٍ من الشعوب أن يحدد ساعة الصفر إنْ أراد في توقيتٍ يتطلب وحدة الصف والهدف وهذا هو الدرس الأول لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الحالية.
* * *
تلك مجرد مقدمة واستهلال للحديث عن كيفية إحياء ذكرى مرور أربعين عاماً على احتلال القدس في يونيو المقبل, وما أحوج قضية القدس إلى إحياء الذكرى بصورة غير تقليدية, فلقد شبعنا بيانات نثرية, وشعرية تلقى في تلك المناسبات, والقدس أحوج ما تكون إلى إحياء الذكرى بصورة أخرى أكثر جدية تستمر أياماً, وأسابيع, وشهوراًًً, وسنوات ممتدة, وتحقق هدفين متكاملين..
أولهما: تعبئة الشعور القوميّ لدى كل الأجيال بالمسؤولية تجاه قضية القدس العربية.
وثانيها: مخاطبة الرأي العام العالمي بأساليب عديدة ومتنوعة لتصحيح الادعاءات "الإسرائيلية" بشأن القدس, ودعوة مختلف الدول على عدم الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لـ"إسرائيل" مع دعوة الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" (نحو70 دولة) بألا تنقل سفاراتها من "تل أبيب" والإشادة بمبادرة كلٍّ من "السلفادور" و"كوستاريكا" بنقل سفارتيهما من القدس إلى "تل أبيب". وكانتا (أي السلفادور وكوستاريكا) قد أقدمتا وحدهما على عملية النقل إلى القدس منذ عام 1985.
* * *
وفي سياق الدعوة إلى إحياء ذكرى مرور أربعين عاماً على احتلال القدس في يونيو المقبل، من الأهمية استحداث سبل غير تقليدية تخاطب -كما قلنا- الرأي العام العالمي بعقلانية وشواهد صادقة معبرة عما جرى للقدس من عمليات تهويد متواصلة طوال 40 عاماً من الاحتلال.
ويتطلّب الأمر هنا إقامة معرضٍ عربي دائم يجوب العواصم الدولية يوضح بالصورة المفارقة بين معالم القدس 1967 وواقع القدس الحالي 2007. وثمة مشروع معرض القدس المتنقل اقترحه المهندس الفلسطيني رائف نجم منذ الثمانينيات, وشاركت في مناقشة هذا المشروع أثناء حضوري المؤتمر الدولي لحماية المقدسات الإسلامية, والمسيحية بالرباط (7-8 يونيو 2002) ونال المشروع موافقة المؤتمر لكن حالت المخصصات المالية دون إقامته.
وترتكز عناصر المعرض في الصور الفوتوغرافية الكبيرة للمقدسات والمعالم التاريخية الإسلامية, والمسيحية, ومواقعها وللأحياء السكنية العربية التي تقلصت الآن وصور الممارسات "الإسرائيلية" التعسفية منذ عام 1967, هذا فضلاً عن مخططات هندسية للقدس القديمة, والمسجد الأقصى المبارك, وجميع معالمه الدينية, والتاريخية ضمن مساحته البالغة 144 دونماً داخل الأسوار الخارجية, ومخططات التنظيم الصادرة عن بلدية القدس "الإسرائيلية" لبيان مدى محاولات توسيع بلدية القدس على حساب الأراضي المحتلة والاعتداء على حقوق الملكية الفلسطينية التي تؤكّدها أوراق, ووثائق الأوقاف الإسلامية بالمدينة.
إن عرض واقع أطلال القدس بالصورة والكلمة المكتوبة بمختلف اللغات الحية الرئيسية يعد خير شاهد على ما جرى للقدس طوال 40 عاماً.. وتشكّل مثل تلك الصور القديمة والحديثة لو تم طبعها في دليل المعرض وثيقة للدفاع عن القدس في المحافل الدولية.
والتساؤل المطروح هل تبادر الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة المدن العربية وغيرها من الاتحادات العربية المعنية بقضية القدس (مثل اتحاد المحامين العرب)؟ هل تبادر بتبنّي فكرة هذا المعرض غير المسبوق ليكون أبرز مراسم إحياء ذكرى احتلال القدس في يونيو المقبل؟!