كلّهم سيقسمون القدس
في كلّ مرة تجري فيها حملة انتخابات، سواءً كانت للكنيست، للسلطات المحلية أم داخل الأحزاب، تعود بطريقة عجيبة مسألة "من سيقسم القدس"، لتنجح في إثارة الانفعالات.
إيهود أولمرت كان أول من ساهم في هذه السياسة الممالئة للناس من حيث التهديد بتقسيم القدس الذي أطلقه قبل أكثر من عقدٍ من الزمن في أنّ "بيرس سيقسم القدس". وبعد ذلك حاول أنْ يقنع الناس بأنّ إيهود باراك لن يقسم المدينة، وأخيراً كزعيم "كديما" وافق على البحث في تقسيم المدينة في المحادثات مع الفلسطينيين.
أمس أدخل القنصل الأمريكي في القدس، جيك ولاس، مسألة القدس في التنافس على رئاسة كديما حين قال لصحيفة "الأيام" إنّ "إسرائيل" وافقت على البحث في تقسيم المدينة. ولما كان أولمرت وتسيبي لفني هما الآن اللذان يديران المحادثات، فإنّ الرابح الفوري من التهديد المتجدّد بتقسيم المدينة هو شاؤول موفاز، الذي انسحب من الليكود ولكنّه من ناحية إيديولوجية بقي في الخانة ذاتها.
كلّ من يدير، أدار، أو يريد أنْ يدير، مفاوضات حقيقيّة مع الفلسطينيين على اتفاق سلام سيضطر إلى الموافقة على تقسيم القدس؛ من يتحدّث عن الحفاظ على سلامتها ووحدتها الإقليمية يذر الرماد في عيون الجمهور. القدس هي مدينة منقسمة، والدليل على ذلك هو جدار الفصل في قاطع "غلاف القدس" الذي يتلوّى على طول نحو 170كم حول المدينة "الموحّدة" بل وفي داخلها. الجدار، الذي في بعض مقاطعه يتلوى بين الأحياء والمنازل، يكشف الحقيقة عن القدس، التي يخفيها السياسيون.
عندما وافقت "إسرائيل" في مؤتمر مدريد، في كامب ديفيد، في خريطة الطريق وفي أنابوليس على البحث في كل المواضيع الجوهرية، فقد وافق على البحث أيضاً في تقسيم القدس. في كامب ديفيد كاد يُوقّع اتفاق برعاية الرئيس كلينتون، تقسّم فيه المدينة بحيث تكون الأحياء العربية فيها جزءاً من الدولة الفلسطينية والأحياء اليهودية جزءاً من دولة "إسرائيل".
الموضوع الوحيد الذي بقِيَ معلّقاً هو الحوض المقدس. وعند الجدال اليوم في تقسيم المدينة يتحدثون عمليا عن هذه المنطقة الصغيرة.
في الجمهور توجَد موافقة على تقسيم القدس أكثر مما يخيّل. هناك من يريدون تقسيم المدينة كي يحافظوا على أغلبية يهودية في العاصمة، آخرون كي يكون العيش فيها أفضل، وهناك من يعتقدون أنه بدون التقسيم لن تكون نهاية للنزاع. النائب عتنئيل شنلر، المؤيّد لموفاز، هرع أمس للدفاع عن القدس في وجه لفني. غير أنّ شنلر نفسه قال قبل نصف سنة فقط إنّ حزبه يميّز بين المدينة التاريخية وبين الأحياء العربية التي لم تكنْ أبداً جزءاً من القدس، وهذه يمكنها أنْ تصبح عاصمة الدولة الفلسطينية بعد الاتفاق.
في كاديما توجد جملة متنوعة من الآراء: ما ينبغي أنْ يكون واضحاً للجميع هو أنّ المواضيع الجوهرية بما فيها حق العودة إلى القدس هي جزء لا يتجزّأ من المفاوضات. وكائناً من يكون رئيس الوزراء، فإنّ "إسرائيل" ملتزمة بالبحث في هذه المواضيع. القدس ستكون في نهاية المطاف عاصمة الدولتين، واللاجئون سيعوّضون على أملاكهم المتروكة. وحتى لو انقضت سنوات أخرى إلى أنْ يوقع الاتفاق فإنه لن يبدو خلاف ذلك.