انتفاضة القدس تدافع عن وحدة الأمّة
![]() ![]() ![]() ![]() |
أحمد الحاج
إعلامي فلسطيني- بيروت
أن تدخل انتفاضة القدس عامها الثاني في ظل هذا الانقسام العربي، والانفجار الأهلي على امتداد المشرق، فإن ذلك هو الإنجاز بعينه. في الأيام الأولى تردد، حتى بعض أشد الناس تأييداً للمقاومة، في إطلاق وصف الانتفاضة على ما يجري من عمليات طعن ودهس وإطلاق نار يستهدف الاحتلال. أطلقوا على هذا الحراك الثوري "هبّة" حتى لا يصدمهم توقف الأحداث المفاجئ.
لكن كان للشعب الفلسطيني رأي آخر. هذا الشعب الذي تعوّد أن يصنع ثوراته، والمراقبون يظنون أنه في قعر الهزيمة. هكذا انطلق الفلسطينيون في ثورة عام 1936، بعد أشهر مما اعتقده المحتل البريطاني وعصابات المستوطنين انتصاراً نهائياً بالقضاء على القسام والثوار المساندين له.
كذلك في ثورة 1936 استُشهد 5032 فلسطينياً، وجرح 14760 شخصاً، واعتُقل 50000 آخرين، وصدرت أحكام مؤبدة على 2000 منهم، وأُعدم شنقاً 146 مجاهداً، وتعرض 5000 منزل للنسف تماماً. ورغم ذلك لم تمض سنوات قليلة حتى انخرط الشعب الفلسطيني في الجهاد عام 1948، وأسس كتائب الجهاد المقدّس.
ولا بأس
من أن نتذكر أن معركة الكرامة جاءت بعد عام من هزيمة ثلاث دول عربية. وأن انتفاضة عام 1987 جاءت في وقت تجاهلت القمة العربية القضية الفلسطينية، بعد سنوات قليلة من خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. وهكذا جاءت انتفاضة الأقصى (2000) في وقت كان العالم يصرّ على أن يستسلم الفلسطينيون في محادثات "كامب ديفيد 2".
أما الانتفاضة اليوم فقد جاءت في الوقت الأسوأ عربياً. الدم يغرق المنطقة. والانقسام الفلسطيني على حاله. والتنسيق الأمني مع الاحتلال صار بلا لثام. والمؤامرات على المقاومة أصبحت مصدر شرعية لبعض الحكام العرب، الذين تفاخروا بالحصار وهدم الأنفاق. أما التطبيع فانتقل إلى العلانية بعدما كان يتم على استحياء. ولأول مرة تضع دولة عربية تنظيمات مقاومة فلسطينية على لوائح الإرهاب.
إزاء هذا الواقع ازداد تعنت الاحتلال، وأُعلن عن وفاة عملية التسوية المتوقفة أصلاً. وأغرى بعض النمو الاقتصادي في الكيان الصهيوني رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في رفض كل حلول التسوية، وعاد ليتحدث عن مشروعه القديم الجديد الذي سُمّي بـ"السلام الاقتصادي". وظهرت إشارات بتشكيل فريق عربي رباعي لتصفية القضية الفلسطينية.
هذا كلّه لم يدفع الفلسطينيين نحو اليأس، بل العكس، كانت الثورة هي عنوان تغيير الواقع، لأن الرضوخ إليه يعني مزيداً من التدهور. وما ميّز انتفاضتهم، هو تغلّبها على ظروف المحيط المتلهّي بأزماته، وتجاوزها للتنسيق الأمني المكشوف بين الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية.
أعادت انتفاضة القدس لفت أنظار كثيرين أن نيران معارك التجزئة الداخلية يمكن إخمادها بالمعركة الأساسية في فلسطين. وأن المشروع الغربي لا يُواجه بالأطراف بل في قلب ربيبته التي سُمّيت "إسرائيل"، يوم أعطاها دورها الوظيفي. وحتى الانقسام الفلسطيني يتلاشى بأرض المعركة. فها هو الشهيد رائد جرادات، من حركة فتح، ينتقم للشهيدة داليا ارشيد، من حركة حماس، وتتم الخطبة بعد استشهادهما.
الانتفاضة التي أعادت الأمل للأمة تنتظر منا الكثير، تنتظر دعمها في هذه اللحظات الحرجة، من الدعم المعنوي بالمسيرات والفعاليات وغيرها وصولاً للدعم المادي. الانتفاضة التي تدافع عن وحدة الأمة تقاتل من أجلنا جميعاً، فإلى الانتفاضة درّ.