أيّكم يكفل مريم!
![]() ![]() ![]() ![]() |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةلا يخلو مشهد الاعتداءات الإسرائيلية على القدس والمقدسيّين من استهداف المرأة المقدسيّة بما تشكّله من ركن أساسي في المجتمع المقدسي، لا سيّما ما تمثّله من عناصر قوّة، وصمود، ومقاومة. وكما أنّ الاحتلال لا يخصّص فئة من المقدسيين للاعتداء عليهم دون سواهم، فإنّه أيضًا لا يستثني أحدّا منهم، فسياسته تهدف إلى تفريغ القدس من أهلها، وتقوم على "تخصيصهم" بمعاملة يأمل أن تدفعهم إلى الاستسلام وترك القدس لمستوطنيه. ولذلك، فاعتداءاته تشمل الرجال كما النّساء، والشيوخ كما الأطفال، فلا يسلم منها أيّ من أهل القدس المتمسّكين بحقّهم، وتاريخهم، ومدينتهم.
سياسات الاحتلال هذه تترك المرأة المقدسيّة مهدّدة بفقدان البيت الذي تسكن فيه، إذ يصادره الاحتلال لمصلحة المستوطنين أو تنفيذ مشاريع استيطانيّة، أو يهدمه بذريعة البناء من دون ترخيص، أو بذريعة تنفيذ أحد أفراد العائلة عملية فدائية. ومن الأمثلة التي برزت في الأعوام الأخيرة قضيّة أم كامل الكرد، وكذلك عائلة نورا صب لبن. وسياسات الاحتلال التي تسعى إلى إفقار المقدسيّين لا تسلم منها المرأة المقدسية التي تتعرّض لاعتداءات من قوات الاحتلال، لا سيّما في حالات منع النساء المقدسيات من بسط البضائع في شوارع البلدة القديمة لبيعها. والمرأة المقدسيّة إمّا أسيرة، أو أمّ أسير أو أسرى، أو أخت لأسرى، وتحضر من الأمثلة هنا أم الأسير سامر العيساوي وإخوته، والأسيرة شيرين العيساوي. وكذا الشهادة طرقت باب المرأة المقدسيّة، فاستشهد ابنها أو أخوها، برصاص قوات الاحتلال، أو قدّمت نفسها شهيدة في مواجهة الاحتلال والتهويد.
ومن ضمن الاعتداءات الإسرائيلية على المرأة المقدسيّة الحملة الممنهجة التي تستهدف المرابطات في الأقصى، والتي تفاقمت مع إصدار شرطة الاحتلال في صيف عام 2015 قائمة ضمّت أسماء عدد من المقدسيات وفلسطينيات الداخل الفلسطيني المحتل، تجاوز الـ70، حظرت الشرطة دخولهنّ إلى المسجد، وتبع ذلك القرار الذي أصدره في أيلول/سبتمبر 2015، موشيه يعالون، وزير الجيش في حكومة الاحتلال في ذلك الحين، بحظر ما أسماه تنظيمي المرابطين والمرابطات. وهكذا، كرّت سبحة الاعتداءات على المقدسيات، من منعهنّ من الدخول إلى الأقصى والصلاة فيه، وإجبارهن على تسليم هوياتهن قبل السماح لهن بالدخول إلى المسجد ومن ثمّ حملهنّ على استردادها من مركز التّحقيق في البلدة القديمة إمعانًا في التّضييق عليهنّ، أو إصدار أحكام بإبعادهنّ عن المسجد، وملاحقتهنّ على خلفية التكبير في وجه المستوطنين في أثناء اقتحامهم للأقصى ومحاولتهم أداء الصلوات التلمودية فيه. ولا شكّ في أنّ الملاحقة المكثّفة من قبل سلطات الاحتلال للمرابطات ومحاولة منعهنّ من الدخول إلى الأقصى، وإبعادهنّ عن المسجد، ومحاربة المرابطات، والتّضييق عليهنّ عائد إلى قناعة لدى الاحتلال بخطورة الدّور الذي تلعبه المقدسيات في الدفاع عن الأقصى، والتصدّي لسياسة تهويده من قبل الاحتلال والاعتداءات التي ينفّدها مستوطنوه. وفي معركة المرابطات أسماء برزت تقدّمتها المعلمة هنادي الحلواني، وخديجة خويص، وغيرهنّ كثيرات.
هذه السياسات للاحتلال لم تكسر المرأة المقدسية، ولم تدفعها إلى التخلي عن معركتها ضدّ الاحتلال، فهي تقف تتصدّى لقوات الاحتلال عندما يفرغون المسجد من المصلين ومن الحراس، وتصرخ بأن الاحتلال لن يمنعها عن الأقصى والصلاة فيه "بالغصب عنهم"، وتشارك في اعتصامات الصلاة عند بوابات الأقصى لكسر حصار الاحتلال للمسجد وقرارات إغلاقه، وقد برز دورها في معركة البوابات في هبة باب الأسباط عام 2017. وصمود المرأة المقدسيّة صمود نابع من إرادتها، ومن إيمانها، ومن صلابتها وعزيمتها، ولكنّ صمودها هذا هو صمود عن كلّ الأمّة، وهو صمود الصفّ الأوّل الذي فرضت عليه المعركة والمواجهة المباشرة، وهو دفاع لا يعفي أحرار العالم من الانخراط في المعركة وفق ما تسمح به الظروف والإمكانيات، ولا بدّ من أن يكون كلّ حرّ في العالم سندًا ودعمًا وعونًا لمريم المقدسية، وطرق المساندة مفتوحة لمن يرى أنّ القدس حقّ، وعودتها حقيقة.