مصلى باب الرحمة: بين أولويّة الصّلاة وضرورة التّرميم

تاريخ الإضافة الإثنين 11 آذار 2019 - 1:14 م    عدد الزيارات 3939    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

لم يكن الاحتلال يتوقّع أن يقلب قفل وسلسلة على بوابة مبنى باب الرحمة المشهد الذي فرضه منذ ستة عشر عامًا عندما أغلق المصلّى بذريعة استعماله من لجنة التراث المحظورة بموجب القانون الإسرائيلي، ولعلّ إعادة وضع القفل من قبل الأوقاف طمأن الاحتلال أنّ المقدسيين سيركنون إلى الخطوة التي قامت بها الأوقاف ويقبلون بها على اعتبار أنّها خطوة من "ذوي القربى" لا من سلطات العدو. إلّا أنّ إقدام ثلّة من الشبان المقدسيين على كسر القفل الذي وضعته قوات الاحتلال أظهر هشاشته، وبيّن أنّ الأولى عدم الإبقاء على القفل الآخر، ومن هنا كانت شرارة التحركات. وأمام إصرار المقدسيين وتمسّكهم بإزالة القفل نهائيًا، انضمّ مجلس الأوقاف إلى نبض الشارع، إذ لم يكن ممكنًا السير بخلاف الإصرار الشعبي، وفتح المصلّى وأدّى المقدسيون صلاة الجمعة فيه يوم 22/2/2019 لأوّل مرّة منذ أغلقه الاحتلال عام 2003.

النّصر الأوّلي في مصلى باب الرحمة لم يرضِ الاحتلال، وتعالت الأصوات الإسرائيلية بضرورة إنهاء هذا المشهد، ووضع حدّ للخسارة في باب الرحمة، ومع بيانات الأوقاف التي أكّدت عدم التراجع عن قرار فتح مصلى باب الرحمة انقضّ الاحتلال على حراس الأقصى، وشنّ حملة اعتقالات بحقّهم، فتحت الباب أمام المحامين الذين ترافعوا عنهم لتبيان حقيقة القرار الصادر عن محكمة الاحتلال، وتبيّن أنّ شرطة الاحتلال أغلقت المبنى بخلاف ما نصّ عليه قرار المحكمة (صدر بيان عن الأوقاف يبيّن سبب عدم اطّلاعها على مضمون القرار في حينه)؛ الأمر الذي عزّز موقف الأوقاف وأعطى دفعة إضافية للمقدسيّين للتمسّك بموقفهم بوجوب إبقاء المبنى مفتوحًا ومتاحًا للصلاة فيه.

أمام تمسّك الأوقاف وإصرار الشارع، وعدم نجاح سياسة الاعتقالات التي نفّذها الاحتلال بحقّ الحراس، يتداول الاحتلال حلولًا ً يمكن أن يحفظ بها ماء وجهه، إمّا التسليم بأنّ مصلى باب الرحمة يحتاج إلى الترميم، ويمكن أن تقدّم أعمال الترميم كذريعة لإغلاق المصلّى، ومنع المسلمين من الدخول إليه والصلاة فيه، وهذا ما اقترحته صحيفة "هآرتس"، أو الإبقاء على المبنى مفتوحًا لكن من دون تحويله إلى مصلى، وهذا كان مضمون ما نقله موقع "كان" العبري عن مصادر سياسية لجهة توجيهات صدرت عن نتنياهو بعدم تحويل باب الرحمة إلى مصلى.

ووفق مهندسي الترميم المقدسيّين، فإنّ الدلف في مصلى باب الرحمة سببه تفكّك بلاط السطح الخارجي، والحلّ ممكن عبر فكّ البلاط والطمم القائم وعمل مدة سطح وإعادة التبليط والتكحيل وتغيير البلاط التالف، أمّا داخل المصلى فشبكة الكهرباء تحتاج إلى تغيير عبر تمديدات خارجية من دون حفر في الجدران كون الحجارة قديمة ليس مسموحًا تكسيرها أو تحفيرها. ويمكن تنظيف حجارة المصلى بالورق الخاص المبلول من دون أن يؤثّر ذلك في إمكانية الصلاة بالمكان، الأمر الذي يعني أنّ الترميم الذي يحتاج إليه مصلى باب الرحمة لا يسوّغ إغلاقه.

أمّا الحلّ الآخر فأشار إليه الصحفي الإسرائيلي إيهود يعاري في برنامج "استديو الجمعة" على شاشة القناة 12 العبرية قائلًا إنّ اتفاقًا جرى التوصل إليه مع الأردن يقضي بالإبقاء على مبنى باب الرحمة مفتوحًا شريطة عدم تحويله إلى مصلّى. ولعلّ ما شهدناه يوم أمس من اقتحام قوات الاحتلال مصلى باب الرحمة بالأحذية جاء ليمهّد الطريق أمام الإبقاء على المكان مفتوحًا كقاعة عادية لا كمكان للصلاة.

إنّ اعتداءات الاحتلال على الأقصى لا بدّ من أن يدفع ثمنها، ولا بدّ من كفّ يده عن المسجد والتصرف فيه من منطلق أنّه صاحب السيادة بينما الوصاية الأردنية تتآكل وتتلاشى. وهو حتمًا أدخل نفسه في مأزق عندما وضع القفل والسلسلة على بوابة مبنى باب الرحمة بعد اجتماع مجلس الأوقاف فيه، وفي مقابل الموقف الشعبي يقف عاجزًا: إن تراجع فهو خاسر، وإن تقدّم فهو خاسر أيضًا، لأنّ تحدّي المقدسيّين سيفجّر في وجهه غضب الشارع، ولعلّه ليس مستعدًا لجولة جديدة من التوتّر الأمني في القدس، ولا يريد أي تطوّرات تعكّر أجواء الانتخابات المبكرة للكنيست. ومع هذه الظروف والمعطيات وما ترتّبه من ضعف في الموقف الإسرائيلي فإنّه من غير المناسب أو المقبول تقديم طوق النجاة له، وإعطاؤه بالدبلوماسية والتوافق ما لن يستطيع أخذه بالعنف والإرهاب.

إنّ ترميم مصلى باب الرحمة ضروري حتمًا، وقد أوضح الخبراء حدوده، وهو ترميم لا يحتّم الإغلاق؛ وهو مصلى وفق الوضع القائم التاريخي، ولا يمكن الاحتلال أن يغيّر ذلك ولا يمكن أن يعينه على ذلك أحد. إنّ هبة باب الرحمة لم تنتهِ، والمقدسيون لن يسمحوا بأن يزهق انتصارهم فداء لمشاريع الاحتلال ومصالحه، وإملاءاته، وهم لن يقبلوا أنصاف الحلول أو الحلول التخديرية التي تحاول أن تلتفّ على ما حقّفوه إلى الآن بفضل ثباتهم، ووعيهم، ومقاومتهم، ورباطهم، وقد شكّل موقفهم دعمًا للوصاية الأردنية على المسجد، فهل يمكن أصحاب الوصاية أن يتخلّوا عنها؟

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

باسل الأعرج: السّائر على بصيرة

التالي

باب الأسباط... حيث الصّلاة مقاومة

مقالات متعلّقة

أسامة الأشقر

مقدمة نظرية عاجلة في إدارة ملف صراعهم الداخليّ

الإثنين 27 آذار 2023 - 11:36 م

كلما ازداد قلق كبراء كيانهم وخوف كهنة سياسييهم عرفنا أن الصراع الداخلي قد بدأ مرحلته التاريخية الثانية وهي مرحلة الشرخ الظاهر الذي يعقب مرحلة التآكل الذاتي الخفيّ، وبين المرحلتين تداخلٌ وامتدادٌ، فليس… تتمة »

ساري عرابي

فلسطين بين حريقين.. كيف يبني الفلسطينيون ذاكرتهم؟

الأربعاء 1 آذار 2023 - 10:33 ص

قبل ثماني سنوات، حرق مستوطنون منزلاً في قرية دوما، شمال شرق نابلس، أودت الحادثة بالعائلة؛ طفل رضيع ووالديه، ليبقى من بعدهم الطفل أحمد دوابشة. من غير الوارد أن يكون لدى الناس اتفاق عامّ على إدراك حقيقة… تتمة »