دور المعرفة في معركة القدس

تاريخ الإضافة الثلاثاء 8 حزيران 2021 - 3:30 م    عدد الزيارات 1786    التعليقات 0     القسم مقالات

        


هشام يعقوب

رئيس قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية

 

المعرفة نقطة انطلاق

 

تبدأ المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي من نقطة المعرفة، وعند نقطة البداية تلك تلتقي روايتان: الأولى يروجها الاحتلال الإسرائيلي، وهي مبنية على أساطير ومزاعم متناقضة وباطلة، والثانية رواية أهل الأرض والحق في فلسطين المحتلة، وهي مستمدة من الحقائق التاريخية والدينية والقانونية.

 

والبناء المعرفي أساسي لفهم ما يجري في فلسطين، لا سيما التطورات في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى والحرب على غزة ومخططات التهويد والاستيطان وغير ذلك، وكل انسحاب من طرف الفلسطينيين ومن يناصرهم من ميدان المعركة المعرفية والمعلوماتية، يعني تلقائيًا تقدمًا لرواية الاحتلال.

 

 

الفلسطينيون يقدمون روايتهم المعرفية للعالم

 

وتشكل قضية حي الشيخ جراح مثالًا لكيفية تقديم الرواية المعرفية إلى العالم، وما نتج عن هذا التقديم من تأييدٍ كبير، فقد تحولت قضية هذا الحي المهدد أهله بالتهجير إلى قضية رأي عام دولية، وتهاوت ادعاءات المستوطنين ومؤسسات الاحتلال ومحاكمه أمام المنطق الفلسطيني، المبني على معرفة واعية بالتاريخ والقانون وسنن التدافع مع الاحتلال. وبالتوازي مع المثال السابق، ما حصل في قضية اقتحام المسجد الأقصى في 28 رمضان، الذي كان ينوي المستوطنون تنفيذه، بعد ترويج أكاذيب تتعلق بما يسمى حق اليهود بالصلاة العلنية في المسجد الأقصى، فسقطت كل هذه الأكاذيب أمام الحق التاريخي والديني المكفول وفق مفهوم الوضع القائم تاريخيًا وقانونيًا في الأقصى، ولا شك في أن كلمة المقاومة كانت فاصلة لجهة إسناد المنطق الفلسطيني العادل في القضيتين المذكورتين.

 

 

نحو وعيٍ واعٍ ومتفاعلٍ

 

وفي سياق خدمة قضايا فلسطين من الواجب بناء وعي معرفي قادر على نقل هذه القضايا، من خلال بناء وعي ينقل المتابعين للأحداث، من دائرة المتابعين العاديين إلى دائرة المتابعين الواعين بأبعاد الأحداث والمتفاعلين معها، عبر مواكبة مستمرة للأحداث وعدم الاكتفاء بالأخبار المنشورة، بل السعي إلى قراءة التحليلات لها والاهتمام بالآراء المختلفة بشأنها، ثم محاولة التحليل والربط والتقدير والاستشراف.

 

أما الخطوة التالية فهي الوقوف عند تحليلات المختصين من ذوي العمق المعرفي لفهم أبعاد الأحداث، إضافة إلى ذلك لا بد للساعين إلى تحصيل هذا الفهم العميق من اطلاع واسع وثقافة عميقة أفقيًا وعموديًا ورؤية نقدية تلاحق الحدث وتقرأ بين سطوره وتستشرف أبعاده وفق مؤشرات يجمعها القارئ ويعطيها وزنها في التحليل والتقدير.

 

 

لا فصل بين التاريخ والحاضر والمستقبل في حالة الصراع في فلسطين

 

وعلى الرغم من وجود موجات للتفاعل مع مجريات الأحداث في فلسطين والقدس، لا يجب أن يظل التفاعل مع القضية الفلسطينية وفق عاطفة موسمية مؤقتة، بل من واجب البناء المعري أن نطور من حالة التعاطف إلى حالة الفعل المتواصل والمؤثر، ويمكن أن نعيد حالة التعاطف الموسمي ذلك إلى أسباب كثيرة من ضمنها الانفصال عن التاريخ، وعدم إدراك خلفيات الأحداث وغياب القدرة على تحويل الأفكار والعواطف إلى برامج عملية مستمرة وخلاقة.

 

فلا فصل بين التاريخ والحاضر والمستقبل، ولا يمكن التعامل مع أحد في هذه الأزمنة دون الآخر، خاصة في حالة الصراع في فلسطين المحتلة، كل ما يجري راهنًا في فلسطين المحتلة هو استدعاء لتاريخ زوره الاحتلال الإسرائيلي وأراد فرضه على الفلسطينيين، وسعى إلى إقناع العالم كله بزيفه. فمن لا يعرف التاريخ، لا يستطيع التعامل مع الحاضر الذي نشهد فيه كل هذه التطورات والمخططات الإسرائيلية، وهو تطبيق عملي لمقولة: "من يملك الرواية يملك الأرض".

 

ومع كل تقديرنا للعاطفة التي يبديها كثيرون ممن يتفاعلون مع القضية الفلسطينية، إلا أن الملاحظ أن عاطفتهم موسمية مؤقتة ولا تتطور إلى فعل متواصل مؤثر، وهذا له أسبابه الكثيرة التي من ضمنها الانفصال عن التاريخ، وعدم إدراك خلفيات الأحداث، وغياب القدرة على تحويل الأفكار والعواطف إلى برامج عملية مستمرة وخلّاقة.

 

* مقالة أصلها مقابلة منشورة في موقع نون بوست، للاطلاع أنقر هنا 

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

الشيخ جراح: الصهاينة ومسار التراجع التدريجي

التالي

"الشيخ جراح".. فصول من المقاومة بين عامَي 47 و48

مقالات متعلّقة

أسامة الأشقر

مقدمة نظرية عاجلة في إدارة ملف صراعهم الداخليّ

الإثنين 27 آذار 2023 - 11:36 م

كلما ازداد قلق كبراء كيانهم وخوف كهنة سياسييهم عرفنا أن الصراع الداخلي قد بدأ مرحلته التاريخية الثانية وهي مرحلة الشرخ الظاهر الذي يعقب مرحلة التآكل الذاتي الخفيّ، وبين المرحلتين تداخلٌ وامتدادٌ، فليس… تتمة »

ساري عرابي

فلسطين بين حريقين.. كيف يبني الفلسطينيون ذاكرتهم؟

الأربعاء 1 آذار 2023 - 10:33 ص

قبل ثماني سنوات، حرق مستوطنون منزلاً في قرية دوما، شمال شرق نابلس، أودت الحادثة بالعائلة؛ طفل رضيع ووالديه، ليبقى من بعدهم الطفل أحمد دوابشة. من غير الوارد أن يكون لدى الناس اتفاق عامّ على إدراك حقيقة… تتمة »