تقرير | نموذج "بيتا" في المقاومة.. صمود وانتصار


تاريخ الإضافة الجمعة 9 تموز 2021 - 11:43 ص    عدد الزيارات 903    القسم مختارات

        


 

إعداد فضل عرابي - كاتب وباحث فلسطيني

 

مقدمة

 

بعد 66 يومًا من المقاومة الشعبية الجادّة، وفي 2 تموز/ يوليو 2021، انتزع أهالي بيتا الخطوة الأولى نحو النصر على المستوطنين وسلطات الاحتلال بإجبارهم على إخلاء البؤرة الاستيطانية التي أقاموها على جبل صبيح وأطلقوا عليها اسم "افيتار".

 

وبشعور الهزيمة غادر المستوطنون "افيتار" فرادى حتى لا يعطوا الفلسطينيين مشهد انتصار، وفقًا لصحيفة يدعوت أحرنوت العبرية، فقد قالت: "إن المستوطنين في جبل صبيح غادروا فرادى حافلة حافلة، ولم يغادروا في قافلة واحدة، حتى لا يعطوا الفلسطينيين صورة انتصار". [1]

 

وبالتزامن مع إخلاء البؤرة الاستيطانية، تواصلت المواجهات في البلدة، وأطلق الاحتلال خلالها الرصاص الحيّ، والمعدنيّ، وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أسفر عن 250 إصابة، بينها إصابتان بالرصاص الحيّ، وإصابات بالرصاص المطاطيّ في الرأس.

 

بلدة بيتا

 

تعرف بلدة بيتا بكونها إحدى القرى الفلسطينية المناضلة ضد الاستيطان منذ ثمانينيات القرن الماضي، بجميع أشكال النضال والمقاومة، فلا يترك أهلها فرصة يتمكنون فيها من طرد المستوطنين عن بلدتهم إلّا واستثمروها وحولوها لمعركة ضارية تهدأ حينًا وتشتد أحيانًا، وباتت اليوم أيقونة لمقاومة الاستيطان.

 

تقع بلدة بيتا على بعد 13 كيلومترًا جنوب شرق مدينة نابلس، وتبلغ مساحتها حوالي 17،495 دونمًا،[2] وحسب إحصاءات منتصف عام 2017؛ كان عدد السكان في بيتا 11،682 نسمة، وتشكل مجموعة السكان في قرية بيتا خمس حمائل يتفرع منها 30 عائلة.[3]

 

سميت بلدة بيتا بهذا الاسم نسبة إلى البيت، فقد كانت تشكل مبيتًا أمنًا ودافئًا للمسافرين، اللذين يتنقلون بين شمال فلسطين وجنوبها وغربها، فقد كانوا يبيتون في دواوين القرية المنتشرة في أرجائها، ويعود إنشاء التجمع إلى العهد الكنعاني.[4]

 

وتتشكل القرية من مرتفعات جبلية يتخللها عدد من الأودية، التي تتجه في مجراها من الشرق إلى الغرب، وتعد من أهم الأماكن العالية في فلسطين ومدينة نابلس.

 

 جبل صبيح

 

يقع بين بلدات بيتا ويتما وقبلان، وقريبًا من حاجز زعترة الإسرائيلي، والمناطق الشرقية التي يعدها الاحتلال امتدادًا للمنطقة الاستيطانية من غرب رأس العين وصولًا لزعترة.

 

وتبلغ مساحته حوالي 840 دونمًا، معظمها مزروع بأشجار الزيتون، على عكس ادعاء المستوطنين المقدم للاستيلاء على الأرض بكون الجبل غير مستصلح.

 

تم الاستيلاء على قمة الجبل وتسوية من 3 الى 5 دونمات من مساحة أراضيه لإقامة نقطة عسكرية، تزامنًا مع شق طريق "عابر السامرة" خلال العام 1984، "لحماية العاملين في الشارع حينها ومراقبة الطريق".

 

لكن جنود الاحتلال غادروا النقطة مع انتهاء العمل بالشارع، ليعاودوا احتلالها خلال الانتفاضة عام 1987.

 

ومع انتهاء الانتفاضة أخليت النقطة، واستمر منع الفلسطينيين من تنفيذ أي فعالية أو نشاط في المنطقة، ليعاود الجنود لها خلال انتفاضة عام 2000.

 

وفي عام 2013 شرع المستوطنون في إقامة بؤرة استيطانية على الجبل، على إثر مقتل مستوطن بعملية طعن عند حاجز زعترة، لكن أهالي بيتا تصدوا لهم، ما أجبر الاحتلال على تفكيكها.

 

وفي 2018، عاود المستوطنون محاولاتهم، عقب مقتل حاخام قرب مستوطنة "أرئيل" المقامة على أراضي الفلسطينيين شمال سلفيت شمالي الضفة الغربية، ووضعوا بيوتًا متنقلة، وأوصلوا لها الكهرباء والماء، وتصدى لهم الأهالي بقوّة، ليلجأ الاحتلال إلى تفكيكها مجددًا.

 

ويؤكد مسؤول ملف الاستيطان شمالي الضفة، غسان دغلس أن هذه هي المحاولة الرابعة لإقامة البؤرة الاستيطانية في جبل صبيح، فقد أرادو استغلال حالة الحرب وما حدث من عملية على حاجز زعترة، لإقامة وحدات استيطانية وفرض سياسة أمر واقع على الجبل.

 

أمّا الهدف من الاستيطان في هذه النقطة فهو إقامة سلسلة من المستوطنات على خط متوالٍ من مستوطنة أريئيل قرب سلفيت والتجمعات الاستيطانية الأخرى المحيطة بها، وصولًا إلى حاجز زعترة، ومن ثم بؤرة "أفيتار" على جبل صبيح، ومستوطنات الأغوار التي تأتي على خط وامتداد واحد يقطع وسط الضفة الغربية.

 

وعبر مستويات ثلاثة يسير أهالي بيتا، حسب دغلس، للتصدي لمشروع الاحتلال الاستيطاني على جبل صبيح، أولها يتمثل بالمقاومة الشعبية عبر المظاهرات والإرباك الليلي وغير ذلك، والثاني قانوني عبر متابعة الملف في المحاكم الإسرائيلية لتثبيت ملكية الأرض للفلسطينيين، والثالث يرتكز على إعمار الأرض المحيطة بالجبل ودعوة أصحابها للبقاء فيها.[5]

 

وحدات المقاومة

 

على أرض الواقع، أدار "البيتاويون" حربًا مع العدو، وابتدعوا طرائق للمقاومة، إذ يقسمون أنفسهم إلى وحدات ومجموعات منظمة، تتناوب على الفعل المقاوم ليل نهار، مستلهمين تجربتهم من المقاومة على حدود غزة.

 

"وحدة الكاوشوك" (الإطارات)، ومهمتها تبدأ من ساعات ما بعد الظهر وقبيل الفعاليات المسائية، وتعمل على تجميع الإطارات وحرقها لخلق ستار من الدخان الأسود الكثيف يغطي على تحرك الشبان ويخنق المستوطنين، وعلى غرارها تعمل وحدة "البالونات الحارقة".

 

وحدة "المقاليع" (المقلاع أداة مصنوعة يدويًا من المطاط والحبال)، مهمتها رشق الجنود بالحجارة من مسافة بعيدة، ومثلها وحدة "المولتوف" المسؤولة عن تجهيز وإلقاء الزجاجات الحارقة.

 

وحدة "الإرباك الليلي" التي تفننت في تخويف المستوطنين والجنود وإزعاجهم سواء بإشعال النيران في محيط المستوطنة ليلًا، أو توجيه وهج الليزر وكشّافات المصابيح باتجاهها.

 

وزيادة في الترهيب، أطلقت وحدة الإرباك مجسمات لصواريخ "تشبه صواريخ المقاومة بغزة" وخطت عليها أسماء شهداء القرية وعبارة "ارحلوا قبل فوات الأوان"، ورافقتها مكبرات الصوت بالتكبير والتهليل.

 

فيما تختص وحدة المفاجأة بابتداع شكل جديد من أشكال الإرباك كل ليلة.

 

وأضافوا وحدة "الخوازيق" ومهمتها إعطاب عجلات مركبات الاحتلال العسكرية.

 

يقول نسيم معلا الناشط في المقاومة الشعبية في بلدة بيتا إنهم سيقابلون الإخلاء بالاستمرار بقض مضاجع الاحتلال بكل الوسائل، مشيرًا إلى أنهم أعادوا فتح طرق أغلقها الاحتلال، وغنموا "صيدا ثمينًا" من قنابل الغاز المدمع من مخلفات الجيش وأعادوا استخدامه ضده.

 

ويضيف إن تصرفات جنود الاحتلال عند الإخلاء عكست نية الاحتلال للتصعيد، فلم يخفض جنوده من "حدة التوتر" مع الفلسطينيين الذين كانوا السبب في إجلاء المستوطنين، وكثفوا وجودهم مع خروج المستوطنين ورفعوا "أعلامًا إسرائيلية" ضخمة ومجسمًا حديديًا لنجمة داود.

 

حرب دينية

 

ويرى معلا أن الاحتلال يريدها "حربا دينية"، ويؤكد أن على الأرض لا يوجد إخلاء، فهناك "كنيس" ديني يتلقى فيه عشرات المستوطنين المتطرفين تعاليمهم الدينية على يد 3 أسر ستظل لهذا الغرض، وهذا سيلهب نار البيتاويين مجددًا ويذكي صراعًا قديمًا مع المستوطنين يتطور إلى المواجهة كما حدث سابقًا وفي وقت قريب أيضًا.

 

ويكرر معلا مقولة أحد "حرّاس الجبل" إنه "إذا ما احتل جبل صبيح فعلى الجيش تجهيز 15 ألف رصاصة يضعها في رؤوس سكان القرية كلها الذين سيستميتون دفاعًا عن أرضهم"، مبينا أن الدعوات خرجت لإلحاق القول بالفعل وبناء مسجدين قرب جبل صبيح ردًا على تشييد مدرسة دينية يهودية. [6]

 

نضال مستمر

 

أكد نائب رئيس بلدية بيتا موسى حمايل أن فعاليات المقاومة الشعبية مستمرة رغم إخلاء البؤرة الاستيطانية من قمة جبل صبيح من المستوطنين.

 

وأضاف: "هناك فرحة بين الأهالي بعد إخلاء البؤرة الاستيطانية "افيتار" التي أقامها المستوطنون قبل نحو شهرين فوق أراضٍ تابعة لبلدات بيتا وقبلان ويتما، لكن ذلك لا يعني توقف الفعاليات الشعبية خاصة مع بقاء جنود الاحتلال فيها".

 

وتابع: "يمكن اعتبار اخلاء البؤرة الاستيطانية بداية الانتصار لكنه لا يعني أن المعركة انتهت، سنقوم بابتكار أساليب مقاومة جديدة، والتخفيف من حدة ما هو على الارض الذي وجد من أجل إرباك المستوطنين وإزعاجهم".

 

وواصل:  "الأهالي يرفضون ويتخوفون من الاتفاق بين حكومة الاحتلال والمستوطنين، والذي يقضي ببناء مدرسة دينية عسكرية واستغلال هذه الأراضي".

 

وأكد حمايل أن العمل جار من الناحية القانونية بالتعاون مع مركز القدس للمساعدة القانونية من أجل إثبات حق المواطنين وملكيتهم لهذه الأراضي. [7]

 

نموذج للمقاومة الشعبية

 

باتت بيتا نموذجًا متقدّمًا في النضال والمقاومة الشعبية، وابتدعت أساليب جديدة في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين.

 

وتاريخيًا كانت بيتا عصية على الاحتلال، فمنذ حاول عام 1988 تشييد أول مستوطنة في جبل العرمة شرقي البلدة، انتفض الأهالي، ما أجبر الاحتلال على تفكيكها، وعندما أعيدت الكَرّة قبل عام ونصف تصدوا له أيضًا، وأفشلوا مخططاته الاستيطانية.

 

كما تمكن أهالي بيتا من إفشال 5 محاولات لإقامة بؤرة استيطانية على جبل صبيح، مقدمين أبهى صور النضال والتضحية في مواجهة الاحتلال.

 

ويشهد التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني حضور بيتا القوي في الانتفاضة الأولى، وقد هدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، وقتها، بهدم البلدة "بيتًا بيتًا"، وبالفعل هدم نحو 30 منزلًا ونفى 5 من أبنائها واعتقل العشرات وقسَّمها جغرافيًا إلى "عليا وسفلى"، لكنها ازدادت قوة وتوحدًا.

 

ولا يملك أهالي بيتا أكثر من 25% من أراضي جبل صبيح، وتذهب 75% منها إلى قرى قبلان ويتما، ومع ذلك يتصدر البيتاويون المشهد ويدافعون بصدورهم العارية عن الأرض، واستشهد منهم 4 حتى الآن وخامس من قرية يتما المجاورة، ومع ذلك يظلّ لسان حالهم أن لا نزول عن الجبل حتى طرد آخر مستوطن وجندي إسرائيلي.

 

خاتمة

 

تتخذ بيتا موقعًا إستراتيجيًا جنوب مدينة نابلس، وهو ما يزيد من أطماع الاحتلال والمستوطنين فيها، ومحاولة إقامة البؤر الاستيطانية وزيادة انتشارهم وابتلاع مساحات أوسع من أراضي الفلسطينيين وخاصة تلك المزروعة بالزيتون، لكن أهالي البلدة نجحوا على مدار السنوات السابقة بطرد المستوطنين عن عدد من المواقع في بلدتهم.

 

وشكلت نموذجًا متقدّما في المقاومة الشعبية، واخترعت أسلوبًا جديدًا في المواجهة، سيسجل في قاموس النضال الوطني الفلسطيني، يمكن البناء عليه واستغلاله في مناطق أخرى كأسلوب مقاومة ناجح، فقد نجحت في رسم أمل جديد لإمكانية هزيمة المشروع الاستيطاني، مثلما حدث في غزة التي أجبرت الاحتلال على تفكيك الكتل الاستيطانية والانسحاب منها، بعد أن كان شارون قد رفع شعار "نتساريم مثل تل أبيب".

 

الهوامش:

 

[1] - https://2u.pw/B3sSs

[2] - https://2u.pw/AnGyg

[3] - https://2u.pw/L2OpX

[4] - https://2u.pw/AnGyg

[5] - أجرى الباحث المقابلة في 2021/7/4 

[6] - https://2u.pw/FJKTZ

[7] - https://2u.pw/IvPaI

 

 

المصدر: مركز القدس للدراسات، 2021/7/8

 

 

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



أسامة الأشقر

مقدمة نظرية عاجلة في إدارة ملف صراعهم الداخليّ

الإثنين 27 آذار 2023 - 11:36 م

كلما ازداد قلق كبراء كيانهم وخوف كهنة سياسييهم عرفنا أن الصراع الداخلي قد بدأ مرحلته التاريخية الثانية وهي مرحلة الشرخ الظاهر الذي يعقب مرحلة التآكل الذاتي الخفيّ، وبين المرحلتين تداخلٌ وامتدادٌ، فليس… تتمة »

ساري عرابي

فلسطين بين حريقين.. كيف يبني الفلسطينيون ذاكرتهم؟

الأربعاء 1 آذار 2023 - 10:33 ص

قبل ثماني سنوات، حرق مستوطنون منزلاً في قرية دوما، شمال شرق نابلس، أودت الحادثة بالعائلة؛ طفل رضيع ووالديه، ليبقى من بعدهم الطفل أحمد دوابشة. من غير الوارد أن يكون لدى الناس اتفاق عامّ على إدراك حقيقة… تتمة »