مواسم الأعياد الصهيونية عنوان المواجهة المتجددة في المسجد الأقصى



إعداد كمال الجعبري 

خاص موقع مدينة القدس 

 

مقدمة:

الرغم من أنّ الاقتحامات التي تنفذها جماعات المعبد للمسجد الأقصى المباركة، شبه يومية، وهي مرتبطة بأجندات تهويد وتقسيم المسجد الأقصى إلّا أنّ لتلك الاقتحامات روافعٌ سنوية، ومواسم تتمثل في استغلال جماعات المعبد للأعيّاد الدينية والقومية لدى كيان الاحتلال الصهيوني لحشد أكبر عدد من مقتحمي المسجد الأقصى المبارك، وتنفيذ الاقتحامات الكمية والنوعية له، ومحاولات تغيير الوضع القائم، وفرض حقائق تهويدية في الأقصى.

 

أهم مواسم الاقتحامات الصهيونية:

تتوزع مواسم الاقتحامات الصهيونية على طول العام، فخلال شهري آذار ونيسان من كل عام تبدأ الاقتحامات الصهيونية، في موسم عيد الفصح اليهودي، وتتصاعد الاقتحامات خلال شهري آيار وحزيران بالتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية، وذكرى الاحتلال كامل مدينة القدس، والمسجد الأقصى، والذي يُسمى صهيونياً ب (يوم توحيد القدس)، وخلال شهر آب وشهر أيلول من كل عام تحل ذكرى ما يسمى بخراب المعبد، والتي كانت تشهد على مدى السنوات الماضية، محاولات وضع حجر أساس المعبد المزعوم داخل الأقصى، أو في محيطه، ولكن الموسم الأطول من الاقتحامات الصهيونية، والذي يمتد طوال 22 يوماً، هو موسم الأعياد اليهودية، عيدي رأس السنة، ويوم الغفران.

 

الأعيّاد اليهودية:

 

 

 

رأس السنة العبرية (روش هشانا):

وهو عيد من الأعيّاد الدينية اليهودية، الذي يبدأ ببداية السنة العبرية الجديدة، في اليوم الأول والثاني من شهر تشري العبراني، وخلال يتم النفخ بالبوق المصنوع من قرن الكبش (الشوفار)، وفي هذا العام يمتد عيد رأس السنة العبرية بين يومي 18 و20/9/2020.

 

 

يوم الغفران (كيبور):

وهو اليوم الثامن من أيّام السنة العبرية الجديدة، ويتم خلاله الصيّام وممارسة الطقوس الدينية اليهودية، لمدة 25 ساعة، وفي هذا العام يصادف يوم الغفران، تاريخ 27/9/2020.

 

عيد العرش أو عيد المظلة (سوكوت):

عيّد من الأعياد الدينية اليهودية، ويتم خلاله نصب المظلات التي يتم داخلها أكل وجبات العيد الخاصة، ويحمل الصهاينة خلاله سعف النخيل خلال مسيرات يقوم بها المتدينون اليهود، وفي هذا العام يقع هذا العيد بين تاريخي 2 و9 تشرين أول من العام 2020.

 

 

الأعياد اليهودية مواسم الاقتحام والتهويد:

مع بدء تصاعد تواجد ونفوذ جماعات المعبد في الكيان والمجتمع الصهيوني، بدأت تلك الجماعات توظف كافة المعتقدات الدينية اليهودية، والأيدولوجية القومية الصهيونية، ومن تلك المعتقدات الأعيّاد اليهودية، التي شكلت منذ بداية التسعينيات موسماً ساخناً للمواجهات والهبّات والمجازر، التي عنوانها العريض، المسجد الأقصى والدفاع عنه.

 

شكل تاريخ 9/8/1989 تاريخاَ مفصلياً، في مسار أجندات جماعات المعبد الصهيونية، والاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى المبارك، عندما سمحت شرطة الاحتلال الصهيوني للصهاينة بإقامة الطقوس والصلوات اليهودية على بوابات المسجد الأقصى، لتسارع جماعة (أمناء جبل المعبد)، وخلال فترة الأعيّاد اليهودية، في 17/10/1989، بوضع حجر الأساس ل(المعبد الثالث) بالقرب من أبوب المسجد الأقصى، فاتحةً الباب منذ ذلك الوقت لتوظيف الأعيّاد اليهودية في أجندة تهويد وتدنيس المسجد الأقصى المبارك.

 

وفي العام التالي وفي ذكرى خراب المعبد، وبعد محاولات (أمناء جبل المعبد) اقتحام الأقصى لوضع حجر أساس (المعبد اليهودي الثالث) داخل المسجد الأقصى، اندلعت مواجهات عنيفة بين آلاف المرابطين من أبناء الشعب الفلسطيني من مختلف المناطق من جهة، وبين المستوطنين الصهاينة، وقوات الاحتلال الصهيوني، من جهة أخرى، وذلك في تاريخ 8/10/1990، عندما ارتكبت قوات الاحتلال الصهيوني مجزرة الأقصى الثانية، التي استشهد خلالها 34 فلسطينياً، وجرح 115 آخرين.

 

 

بعد 10 سنوات من مجزرة الأقصى الأولى، وفي 29/9/2000، وخلال احتفال الصهاينة بعيد رأس السنة العبرية، ولدى محاولة وزير الزراعة الصهيوني آنذاك، أرئيل شارون، اقتحام الأقصى، بصحبة مجموعات من قوات الاحتلال الصهيوني، تصدى الآلاف من المقدسيين لقوات الاحتلال، وأجبروها على الانسحاب من محيط الأقصى، مخلفين وراءهم أكثر من 25 جريحاً، وفي اليوم التالي اقتحمت قوات الاحتلال الأقصى، وأطلقت الرصاص الحي على المرابطين في الأقصى، ليستشهد 8 مقدسيين، ويجرح أكثر من 220، منهم 7 فقدوا أبصارهم، لتتفجر بسبب هذه الأحداث انتفاضة الأقصى الثانية، المواجهة الفلسطينية – الصهيونية الأكبر بعد اتفاقية أوسلو.

 

 

وطوال الفترة بين عامي 2001 و2013، شكلت مواسم الأعيّاد الصهيونية، مواسماً من الاقتحامات والمواجهة في المسجد الأقصى المبارك، ولكن من الجدير بالذكر أنه ولغاية العام 2008، لم يحدث أي اقتحام من جماعات المعبد للمسجد الأقصى، بل كانت تحدث مناوشات بين أفراد جماعات المعبد والمرابطين وحراس الأقصى، في بوابات الأقصى، مثل السلسلة والمغاربة، وغيرها.

 

في 8/10/2008 وفي عيد (يوم الغفران) اليهودي نفذ الاحتلال الصهيوني بمستوييه الرسمي والغير رسمي الاقتحام الأول للمسجد الأقصى خلال فترة الأعيّاد اليهودية، إذ اقتحم المسجد الأقصى 100 صهيوني بحراسةٍ من قوات الاحتلال، وكان من بين المقتحمين للمسجد الأقصى عددٌ من السياسيين والحاخامات، وخلال فترة عيد العرش واصل المستوطنون الصهاينة تدنيسهم للمسجد الأقصى، وخلال تلك الاقتحامات اندلعت عدة مواجهات مع المرابطين الذين تصدوا للصهاينة بالحجارة وما وصلت له أيديهم.

 

منذ العام 2011 ولغاية العام 2015 برز دور مشروع مصاطب العلم، والرباط النسائي في المسجد الأقصى، في التصدي للاقتحامات الصهيونية خلال فترة الأعياد بالتكبير والتهليل والتواجد في مناطق تواجد مقتحمي المسجد الأقصى المبارك.

وفي شهر تشرين الأول من العام 2015 وخلال فترة الأعياد الصهيونية، كانت اعتداءات شرطة الاحتلال الصهيونية الهمجية تجاه المرابطات في المسجد الأقصى، سبباً رئيساً في تفجر انتفاضة القدس، أو انتفاضة السكاكين، التي لا تزال تبعاتها مستمرةً ليومنا هذا، والتي أرهقت منظومة الاحتلال الأمنية، خلال المئات من عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار، والعديد من بؤر المواجهة مثل سلون والعيساوية ومخيم شعفاط.

المواجهة المرتقبة في الأقصى خلال الأعياد هذا العام

تأتي الأعياد اليهودية في هذا العام على مدى 22 يوماً تمتد من تاريخ 18/9/2020 ولغاية 9/10/2020، وفي سياق الاستهداف الصهيوني المتصاعد للمسجد الأقصى، ومحاولات تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، مستغلاً موجة التطبيع العربي – الصهيوني التي تجتاح المنطقة، يتزامن ذلك مع اتباع جماعات المعبد والقوى الداعمة لها داخل الحكومة الصهيونية لاستراتيجيتين في تنفيذ أجنداتها، تقوم الأولى منها على فتح أكثر من مسار تهويدي في وقت واحد، كالتقسيم الزماني والمكاني، والسيطرة الإدارية على المسجد الأقصى، والمضي قدماً في أكثرها ضعفاً، من جهة التصدي والرفض الشعبي المقدسي، أما الاستراتيجية الثانية، فتقوم على التأسيس المعنوي للمعبد في المسجد الأقصى المبارك، عبر ممارسة كافة الطقوس اليهودية من تقديم القربان، وغيرها، وذلك ما بدا واضحاً خلال الاقتحام النوعي في 31/7/2020، في ذكرى (خراب المعبد)، فكان من الملاحظ أنّه ومنذ ذلك التاريخ، كان تركيز جماعات المعبد على ممارسة أكبر عدد ممكن من الطقوس الدينية اليهودية، داخل المسجد الأقصى، ولفترات طويلة، مما يشكل تطوراً نوعياً خطيراً في أجندات جماعات المعبد التهويدية.

بحسب زياد ابحيص، الباحث المختص بشؤون القدس فإنّ الخطوات المتبقية لفرض تأسيس العبادة القربانية، المرتبطة في المعبد، داخل المسجد الأقصى، تتمثل:

نفخ البوق من الأقصى في يوم رأس السنة العبرية وعيد الغفران.

تقديم القرابين النباتية المعروفة بثمار العرش "البلح والأترجّ وسعف النخيل" في الأقصى خلال عيد العُرُش.

محاولة إدخال مذبح حجري إلى الأقصى وتقديم قربان حيواني "ذبح خروف صغير السن"، ونثر دمه وشويه لتطهير "الشعب اليهودي"، وهذا موعده عادة خلال عيد العرش.

وكما ورد في جدول جماعات المعبد، الذي يتضمن برنامج اقتحامات الأعياد اليهودية هذه السنة، فإنّ كلاً من: النفخ في البوق وتقديم القرابين النباتية، سيتم ممارستها خلال اقتحامات جماعات المعبد المقبلة للمسجد الأقصى، وفي حال عدم تمكن جماعات المعبد من تنفيذ تلك الاقتحامات بسبب إجراءات الإغلاق وحظر التجوال التي أعلنت عنها حكومة الاحتلال في منتصف أيلول الالي، قد يلجأ الاحتلال لتنفيذ اقتحامات تعويضية في فترات أخرى.

 

سيناريوهات الإغلاق:

في فلسطين المحتلة ومع بدايات حلول شهر أيلول، بدأت حالات الإصابة بفايروس كورونا المستجد بالتصاعد، وتركزت بؤر تفشي المرض، في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي القدس، وتزامن ذلك مع تصاعد وتيرة المظاهرات المناهضة لنتنياهو والحكومة الصهيونية في تل أبيب، مما دفع حكومة الاحتلال للتفكير بالعودة للإغلاق وفرض حظر التجوال في القدس، وذلك ما تم فعلاً عندما أعلنت حكومة الاحتلال عن فرض حظر التجوال الشامل لمدة 3 أسابيع، في القدس، وفلسطين المحتلة، وهو الوقت الذي يتزامن مع حلول الأعياد اليهودية.

على الرغم من الحديث بدايةً عن توجه حكومة الاحتلال لمنع اقتحامات جماعات المعبد خلال فترة الأعيّاد، إلى أنّ ما جرى يوم الأربعاء 16/9/2020، يكشف عن جزء مما تخطط له الأوساط الرسمية وجماعات المعبد خلال فترة الأعيّاد، جاء ذلك عبر عدة تصريحات من أطراف رسمية في الحكومة الصهيونية، من ضمنهم أمير أوحانا، وزير الأمن الداخلي الصهيوني، حول استمرار اقتحامات الأقصى خلال فترة الأعيّاد، ولكن بشروط تضمن سلامة وصحة المقتحمين، وهذا ما يتوافق مع ما تدعو له جماعات المعبد من اقتحامات نوعية لا كمية على غرار اقتحام 31/7/2020.

صباح يوم 16/9/2020، أعلن حاتم عبد القادر، أحد أعضاء مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس، عن إغلاق المسجد الأقصى لمدة 3 أسابيع، تبدأ من بعد صلاة الجمعة يوم 18/9/2020، وتوقيت الإغلاق هنا، مطابق تماماً لفترة الإغلاق التي فرضها الاحتلال الصهيوني في القدس، وفلسطين المحتلة، بعد عدة ساعات من إعلان حاتم عبد القادر، أعلن الشيخ عمر الكسواني عن أنّ الأقصى سيبقى مفتوحاً ولن يغلق، ودعا الكسواني كل فلسطيني قادر على القدوم للمسجد الأقصى والرباط فيه إلى شد الرحال إلى المسجد، وبيّن الكسواني أنّ الإبقاء على فتح الأقصى، جاء بعد رفض شرطة الاحتلال التعهد بمنع الاقتحامات الصهيونية خلال فترة الأعيّاد، مما يجعل من إمكانيّات المواجهة مفتوحة مجدداً خلال فترة الأعياد اليهودية.

 

كيف يمكن قلب المشهد:

لغاية الآن لا تزال المعطيات الحالية متجهةً نحو سيناريو شبيه بسيناريو اقتحام يوم عرفة، في 31/7/2020، في ظل تراجع زخم الحراك الشعبي الجماهيري في القدس بفعل الاعتقالات والإبعادات، وظروفٍ أخرى، فمن المتوقع تنفيذ الاحتلال الصهيوني لاقتحامات نوعية خلال فترة الأعيّاد بهدف تكريس فكرة التأسيس المعنوي للمعبد، ولكي لا يحدث هذا السيناريو، بالإمكان الاستفادة من حالة الغليان الشعبي في القدس وفلسطين، والعواصم العربية، بعد اتفاق (أبراهام التطبيعي)، عبر تعميم الخطاب الذي يبين حجم خطورة التهديد غير المسبوق تجاه المسجد الأقصى، عبر المؤسسات والمبادرات المختصة بالشأن المقدسي داخل فلسطين وخارجها، وفي ذات الوقت بإمكان فصائل المقاومة الفلسطينية، والقيادات الفلسطينية إعلان حالة (التعبئة العامة) لشد الرحال إلى المسجد الأقصى، في سبيل تأسيس حالة جماهيرية، تضمن وجوداً بشرياً كبيراً في المسجد الأقصى يقوض ما تخطط له جماعات المعبد الصهيونية، مع التركيز على ضيق الوقت المتوفر، الذي يتطلب سرعةً وديناميكيةً عالية في التحرك، وقد بدأت أولى ملامح الحراك الشعبي في الأقصى، مساء يوم الخميس 19/9/2020 بعد عودة العديد من المبعدين والمبعدات عن المسجد الأقصى إلى الصلاة على بوابات المسجد الأقصى، فهل ستكون الأعيّاد اليهودية هذا العام عنواناً جديداً من عناوين المواجهة المتجددة في المسجد الأقصى؟ أم أنّ جماعات المعبد ستفرض واقعاً تهويدياً جديداً على المسجد الأقصى من خلالها؟

ساري عرابي

فلسطين بين حريقين.. كيف يبني الفلسطينيون ذاكرتهم؟

الأربعاء 1 آذار 2023 - 10:33 ص

قبل ثماني سنوات، حرق مستوطنون منزلاً في قرية دوما، شمال شرق نابلس، أودت الحادثة بالعائلة؛ طفل رضيع ووالديه، ليبقى من بعدهم الطفل أحمد دوابشة. من غير الوارد أن يكون لدى الناس اتفاق عامّ على إدراك حقيقة… تتمة »

عدنان أبو عامر

اختلاف الأولويات بين واشنطن و"تل أبيب" حول التطبيع

الخميس 23 شباط 2023 - 10:52 م

في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال ضغوطًا لا تخطئها العين من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعودة إلى العملية السياسية مع الفلسطينيين، ولو من الناحية الشكلية غير المجدية، فإن الواقع الإقليمي، من و… تتمة »