الخان الأحمر بين خطر التّهجير ومقوّمات الصمود
![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() |
براءة درزي - موقع مدينة القدس l لا يمكن فصل قضية الخان الأحمر، القرية البدوية الواقعة في المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة، عن أطماع الاحتلال والمساعي الإسرائيلية لتنفيذ مشاريع استيطانية وضمّ مزيد من أراضي الضفة تحت ذرائع ديمغرافية وأمنية. وعلى الرغم من تأجيل تنفيذ قرار هدمها في السابق، إلا أنّ التأجيل نتج عن ضغوط شعبية ودولية فرضت على سلطات الاحتلال انتظار ظروف مناسبة لكن من دون أن يعني ذلك إلغاء القرار.
ويبدو أن حكومة بينت-لابيد "ورثت" القضية من حكومات نتنياهو التي أجّلت تهجير أهالي الخان رغم صدور قرار عن المحكمة العليا بهدم القرية، وكانت الضغوط الشعبية والدولية التي أثارتها قضية التهجير العامل الأساسي في تأجيل تنفيذ القرار، أو الامتناع عن تنفيذه.
وبحسب ما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الجمعة، يتعيّن على حكومة الاحتلال تقديم موقفها إلى المحكمة العليا بخصوص الخان الأحمر، يوم غد الأحد في 2021/9/5، إثر انتهاء المهلة التي منحتها المحكمة للحكومة في 2021/7/22.
وأشارت الصحيفة إلى أنّه في حال قرر بينت أن يكون الردّ الذي سيقدم للمحكمة هو التوجه نحو استمرار المفاوضات مع سكان الخان، فمن المتوقّع أن يثير اليمين عاصفة سياسيّة ويصفه بأنّه "يساري".
حكومة بينت معسكران.. ومخاوف من التداعيات السياسية للهدم
قالت "يديعوت" إنّه ثمّة معسكرين في الحكومة الحالية حيال قضية الخان؛ فوزير الجيش بني غانتس ووزير الخارجية يائير لبيد يؤيدان تأجيل التهجير فيما يؤيد التهجير كلّ من بينت وأيليت شاكيد وأفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر وزئيف إلكين، وهم طالبوا بتنفيذ التهجير في وقت سابق.
وكان بينت طالب نتنياهو، عام 2019، بتهجير الخان الأحمر فيما افتتح ساعر حملته الانتخابية لرئاسة "الليكود" في العام ذاته، في القرية، وهاجم ليبرمان نتنياهو بسبب تأجيل التهجير.
وفي مؤتمر للقناة السابعة العبرية في 2021/8/1، قالت وزيرة الداخلية في حكومة الاحتلال آييلت شاكيد إنّه من الضروري العمل على تهجير سكّان الخان الأحمر، والالتزام بقرار المحكمة العليا بهذا الخصوص، مضيفةً أنه يمكن تأجيل التهجير في الأسابيع والأشهر الأولى من عمل الحكومة الجديدة، لكن لا يعني ذلك عدم تهجير القرية.
أمّا وزير الخارجية ونائب رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد، فحذّر في 2021/7/18، من تهجير الخان الأحمر خشية من أن يلحق ذلك ضررًا سياسيًا بـ "إسرائيل". ودعا لابيد في رسالة وجهها لبينت، والمستشار القانوني للحكومة أفيحاي ماندلبليت، وشخصيات أخرى على علاقة بالقضية، إلى إعادة فحص الشروط اللازمة لتنفيذ عملية التهجير.
وأشار لابيد، وفق موقع "واي نت" العبري، إلى أن هذه القضية مطروحة منذ سنوات على الحكومات السابقة، وفي عام 2018 وافقت المحكمة العليا على هدم القرية، لكن عملية الهدم لم تتمّ لاعتبارات سياسية لما قد تؤدي إليه من تداعيات سياسية على المستويين الداخلي والدولي. وبحسب لابيد، فقد شكلت الحكومة الحالية حديثًا ولم يتح لها الوقت حتى الآن دراسة هذه القضية بشكل معمق ومستقل عن الحكومة السابقة، وهي قضية حساسة لا بدّ من البحث في كلّ تبعاتها القانونية والدولية.
كيف ستتعامل حكومة الاحتلال مع قضيّة الخان الأحمر؟
يرى الباحث الاجتماعي أحمد حنيطي أنّ حكومة الاحتلال تتّجه إلى تأجيل قرار الهدم نظرًا إلى عدم نضوج الظروف اللازمة لتنفيذه، وهي حكومة جديدة لا تزال تعمل على ترسيخ علاقاتها على المستوى الدولي وليست في صدد اتخاذ قرارات تثير المواقف السياسية ضدّها. كذلك، فإنّ التأجيل جزء من سياسة الاحتلال في المماطلة لاستنزاف البدو وتركهم في حالة من القلق وعدم الاستقرار في ظلّ خطر الهدم الذي يهدّد مساكنهم.
وعلى الجانب الفلسطيني، فإنّ مثل هذا القرار سيشجع السلطة على ممارسة الضغوط السياسة والدبلوماسية والشعبية، فلن يكون من السهل بالنسبة إلى الاحتلال السير به وتنفيذه.
ويقول حنيطي، في حديث لموقع مدينة القدس، إنّ تجمع البدو في أماكنهم الحالية كان قسريًا، نظرًا إلى القيود التي فرضها عليهم الاحتلال والسياسة التي اعتمدها لجهة منعهم من الحركة والتنّقل. وقد رفض البدو جميع "التسويات" التي طرحها الاحتلال من منطلق رفض عملية التهجير والاقتلاع بحقّهم، وأيّ عملية "انتقال" تحت عنوان "التسوية" سيكون باطنها نقلاً قسريًا للسكّان.
الخان الأحمر مقدّمة لتهجير أوسع
يشير الباحث حنيطي إلى أنّ الخان الأحمر هو واحد من قرابة 46 تجمعًا بدويًا يستهدفها الاحتلال بالتهجير بهدف السيطرة على الأراضي التي تعدّ جزءًا أساسيًا من الحياة البدوية القائمة على الرعي ضمن مساحات واسعة، ما يدفع الاحتلال إلى السعي لتقييد وجود البدو في مساحات محصورة ومحدودة ضمن سياسة قائمة على مبدأ "أرض أكثر وفلسطينيين أقل".
ويبيّن حنيطي أنّ ما دفع بالخان الأحمر ليكون في صدارة التجمعات المستهدفة، هو وقوعه بمحاذاة الشارع الاستيطاني (1) الواصل بين القدس وأريحا، وقد أثار قضيته المستوطنون، وتقدّمت جمعية "ريغافيم" الاستيطانية بالتماسات طالبت حكومة الاحتلال بالإسراع في هدمه بزعم أنّه يشكّل إزعاجًا بصريًا للمستوطنين في المنطقة ويعرقل حركتهم وتنقّلاتهم.
ويضيف أنّ التدرّج في الهدم هو سياسة يتبعها الاحتلال كونها أقلّ كلفة، من ناحية المواقف التي يمكن أن تترتّب عليها، مقارنة بهدم التجمعات دفعة واحدة وما تعنيه من تهجير.
التجمعات البدوية في مواجهة المشاريع الاستيطانية
عمدت الحكومات السابقة التي ترأسها نتنياهو إلى تأجيل تنفيذ قرار هدم الخان الأحمر رغم تعهّدها بتنفيذ الهدم ضمن أشهر، وكانت هذه السياسة محاولة لكسب مزيد من الوقت إلى حين تبلور تسوية يمكن فرضها على البدو. وأيّ قرار مشابه من حكومة بينت سيكون من باب كسب الوقت من دون أن يعني إلغاء القرار أو التنازل عنه.
ويشير حنيطي إلى أنّ التجمعات البدوية ونمط الحياة فيها والحاجة إلى مراعٍ واسعة تشكل تحديًا للمشاريع الاستيطانية، فهي تعتمد على الانتشار على مساحات واسعة من الأراضي، علاوة على أنّ وجود البدو على مقربة من المستوطنات وفي المناطق الممنوعة عمليًا على الفلسطينيين يجعل هذه الأراضي ذات هوية عربية فلسطينية، ما يجعلها عقبة أمام محاولات التهويد.
وفي الوقت ذاته، يضيف حنيطي، فإنّ نمط الحياة البسيط في التجمعات البدوية، يشكّل تحديًا للاحتلال لجهة إضعاف قدرته على ممارسة الضغط على التجمّعات لحمل أهلها على تركها، فالاحتلال لا يستطيع مثلاً الضغط على البدو عبر منع وصول المياه إليهم، أو عبر إقامة الحواجز نظرًا لغياب البنية التحتية؛ ولذلك، فعملية المضايقة هي مضايقة على سبل الحياة والبقاء.
ولذلك، فالحياة اليومية للبدو هي عملية مقاومة ومجرد الوجود في هذه التجمعات وبناء بيوت من الصفيح فيها أو ممارسة الرعي وغيرها، كلّها تشكل عملية مقاومة يومية تتحدّى المصادرة والتهويد.