هدم حارة المغاربة ... جرح غائر في قلب البلدة القديمة
![]() ![]() ![]() ![]() |
كمال الجعبري - خاص موقع مدينة القدس
مع تزاحم الذكريات المؤلمة المرتبطة بنكسة حزيران/يونيو في العام 1967، في فلسطين، وتحديداً في القدس، التي وحد الاحتلال شطريها بألمٍ ومرارة، يبقى تاريخ 10 حزيران/يونيو من العام 1967، الأكثر مرارة على المقدسيين، وتحديداً على جزءٍ أصيل منهم، وهم مغاربة القدس، الذين تعرضوا لهدم حارتهم التاريخية بالكامل، في محاولةٍ "إسرائيلية" لطمس أثرهم، وتأسيس واقع جديد في جوار المسجد الأقصى المبارك.
حي المغاربة قبل الهدم
قبل الاحتلال "الإسرائيلي" لشرق القدس، بما في ذلك البلدة القديمة، والمسجد الأقصى المبارك، كان حي المغاربة أحد الأحياء الرئيسية في البلدة القديمة، إذ كان يمتد من السور الغربي للمسجد الأقصـى شرقاً، وحتى المنطقة المتاخمة لباب المغاربة الخارجي غرباً، حيث حي الأرمن، وكان الحي يمتد من منطقة الحي الإسلامية شمالاً، وحتى السور الجنوبي الغربي للبلدة القديمة، جنوباً، والذي يقابله من الخارج حي وادي حلوة في سلوان.
ضمّ الحي حوالي 135 عقاراً عربياً إسلامياً، يعود الزمن ببعض عقارات الحي إلى الفترات: الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وسكنّ تلك العقارات حوالي 300 مقدسي، معظمهم من العائلات ذات الأصول المغربية، مثل المصلوحي والعلمي، وغيرها.
تاريخ وجود المغاربة في القدس
بدأ التواجد المغاربي في القدس منذ الزمن الذي سيطر فيه القائد الفاطمي جوهر الصقلي عليها في العام 975م، وقد تزايدت تلك الهجرات بعد فتح القائد صلاح الدين الأيوبي للقدس وتحريرها من الصليبين في العام 1187 م، وتواصلت تعاظم تلك الهجرات المغاربية إلى القدس مع سقوط الأندلس في العام 1492م.
وفي الحديث عن مصطلح المغاربة في القدس فإنّه يشمل كلاً من: المراكشيين (المغاربة) والتونسيين والجزائريين والليبيين، ويحتوي سجل محكمة القدس الشرعية على أسماء العديد من العائلات المقدسية ذات الأصول المغربية: كالمغربي والجزائري والمكناسي والرباطي والسوسي والقسطنطيني والهواري والسمان والبكري والشاوي والزواوي والجيلاني والعقبي والعطاوي والعبيدي والحيفاوي والمصلوحي والعلمي، وغيرها من العائلات.
الجريمة وخلفياتها وتبعاتها
خلال تغطيتها للذكرى الخمسين لنكسة حزيران، في العام 2017، نشرت صحيفة (هآرتس) العبرية تقريراً تناول تفاصيل إقدام سلطات الاحتلال، وتحديداً بلدية القدس الاحتلالية برئاسة (تيدي كوليك)، آنذاك، على هدم حارة المغاربة.
اجتمع (تيدي كوليك)، كما ورد في تقرير (هآرتس)، وكتاب (عند أقدام السور: حياة وموت حي المغاربة في القدس 1187- 1967)، للباحث الفرنسي (فنسان لومير)، مع قيادة الوحدات القتالية في جيش الاحتلال المتواجدة في القدس، بتاريخ 9 حزيران/يونيو 1967، أي بعد 3 أيام من احتلال القدس، وتم الاتفاق على هدم حارة المغاربة، ولكن، وبسبب الخوف من ردة الفعل العربية والإسلامية، والمساءلة الدولية، عمد (تيدي كوليك) إلى إيكال تنفيذ المشروع لـ 15 مقاولاً من "الإسرائيليين"، ضمن جهات مستقلة عن جسم حكومة الاحتلال.
مساء يوم السبت، 10 حزيران/يونيو 1967 بدأت جرافات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ عملية الهدم بحمايةٍ تامةٍ من قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي باشر جنودها في كثيرٍ من مراحل الهدم بأنفسهم، وقاموا بتنفيذ عمليات الإخلاء القسري لبيوت المقدسيين في الحي، لتستشهد إحدى النساء المقدسيات خلال عملية الإخلاء.
وعن تبعات عملية الهدم، قال الباحث المقدسي مازن الجعبري، بتصريحٍ خاص لموقع مدينة القدس: "أدت عملية الهدم والتهجير إلى الاستيلاء على ساحة البراق بالإضافة إلى مفاتيح باب المغاربة التي استولى عليها الجيش الاسرائيلي بالقوة من أجل السيطرة على المنطقة كلها بالإضافة إلى المدخل المؤدي إلى المسجد الأقصى المبارك".
ويضيف الجعبري: " جسد هدم حارة المغاربة وحارة الشرف تجلياً لطبيعة الحركة الصهيونية الإحلالي، وعكس ما حدث خلال النكبة من هدم وتهجير واستيطان (كولونيالي) في فلسطين، وأدى هذا الاجراء المبكر إلى توضيح سياسة الاحتلال من القدس والمسجد الاقصى المبارك، والتي تستهدف استيطان المنطقة الغربية من ساحة البراق الملاصق للمسجد الأقصى المبارك وتحويلها إلى بؤرة استيطانية".
مسابقة الزمن من أجل التهويد
لم تستغرق عملية الهدم الجنونية لهذا الحي المقدسي التاريخي الملاصق للسور الغربي للمسجد الأقصى أكثر من 4 ساعات، إذ كان هناك إجماعٌ لدى مختلف مستويات صنع القرار لدى الاحتلال بالإسراع بعملية الهدم وإتمامها قبل تاريخ 14 حزيران/يونيو 1967، والذي كان يتزامن آنذاك مع ما يسمى يهودياً بـ "عيد نزول التوراة"، إذ كان التخطيط "الإسرائيلي" بتخصيص منطقة الهدم كساحة مخصصة للطقوس التوراتية والتلمودية، علـى بعد أمتار قليلة من السور الغربي للمسجد الأقصـى.
صمود في وجه مخططات التهويد
سعى الاحتلال من خلال مخططاته المتكاملة لتهويد القدس، بدءًا بهدم حارة المغاربة، وليس انتهاءً عند فرضه للعديد من المشاريع الاستيطانية، واختلاقه للبؤر الاستعمارية في البلدة القديمة، إلى خلق سردية خرافية تلمودية.
وفي هذا السياق يقول مازن الجعبري: " تهدف سلطات الاحتلال لتحويل هوية ومكانة المسجد الاقصى من مكان مقدس المسلمين إلى مكان ذو طابع يهودي".
ويضيف الجعبري: "تسعى الحركة الصهيونية الى الوصول الى مشروع القدس الكبرى ومدينة ثنائية القومية وإحداث تغيرات ديمغرافية وجيوسياسية لصالح المشروع (الكولونيالي) في فلسطين".
ويستدرك الجعبري قائلاً: "ولكن هذا المشروع يواجه بصمود ونضال ومرابطة المقدسيين الذين يرفعون الراية خفاقة ورغم المعاناة والألم، إلا أنّ الفلسطينيين جعلوا القدس والمسجد الاقصى مركز وجوهر القضية الفلسطينية حتى تنهض القضية الفلسطينية ويستعيد الشعب الفلسطيني حمل قضيته لإنهاء الاحتلال على أرض فلسطين، والقدس الشريف".
المصادر:
مقابلة مع الباحث المقدسي مازن الجعبري.
الجعبة، حارة اليهود وحارة المغاربة في القدس القديمة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، رام الله، 2019.
ألترا فلسطين، https://tinyurl.com/4sdwxbte .
وفا، https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=9592 .
الجزيرة نت، https://tinyurl.com/4zrm8fdz .
موقع مدينة القدس، سرد بصري: حارة المغاربة - حق يأبى النسيان،https://alquds-city.com/items/1527 .